اغتيال الشخصية في المجتمع الأردني
قد يكون مصطلح اغتيال الشخصية مصطلحا غامض المعنى لدى البعض من أفراد المجتمع لكنه موجود ويمارس من قبل الأفراد والجماعات بمسميات ومصطلحات مختلفة ، وهذا المصطلح بداية استخدامه كانت في الأوساط السياسية حيث يعتبر اغتيال الشخصية من أنجع الوسائل والأساليب الغير مشروعة التي اتبعتها الأنظمة السياسية عامة والعربية على وجه الخصوص لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية من خلال بث الإشاعات والتهم بحق الآخرين رغم العلم بأن هذه التهم والإشاعات ليس لها أساس من الصحة ، وهناك الكثير من الأمثلة التي حدثت في مجتمعاتنا العربية وكلها كانت تقوم على أساس تشويه صورة وسمعة بعض السياسيين أو المفكرين المعارضين وربما وصلت لبعض رجال الدين وذلك بهدف النيل من مكانتهم في المجتمع وصولا الى مرحلة إبعادهم عن الساحة في هذا المجتمع كي تبقى الساحة مشرعة الأبواب لغيرهم ممن هم على توافق مع الأنظمة .
وأسوق هنا مثال حي في مجتمعنا نعيشه خاصة في الفترات التي تسبق أي انتخابات حتى لو كانت لانتخاب مختار للحي ، فكثيرا ما نسمع أو نقرأ إشاعات بحق بعض المرشحين ويساق لها عدة أكاذيب للتدليل على صحتها بحقهم ، ورغم عدم التثبت من صحة هذه الإشاعات إلا أنها تعلق بآذان أفراد المجتمع وتؤدي غالبا إلى التأثير على نتيجة عملية الانتخاب فالكثير من العامة وبحكم الطيبة الزائدة التي يتصف بها أفراد مجتمعنا يلجأون إلى النأي بأنفسهم عن مثل هذا الشخص او المرشح ولو من باب درء الشبهات على الأقل كما يقولون ، علما بان بعض الإشاعات والتهم يكون مصدر تسريبها بعض المتنفذين في الأوساط السياسية والاجتماعية ، والهدف هنا بمفهوم العامة حرق هذه الشخصية التي تتمتع بشعبية وسمعة جيدة في المجتمع وإبعادها نهائيا عن الساحة السياسية ، وبنفس الوقت وصولا لتلميع شخصية أخرى بديلة لها في المجتمع رغم علم الكثيرين بان هذه الشخصية البديلة تحوم الكثير من الشبهات حولها ، ولكن هذه الجهات المتنفذه تبذل كل جهودها في سبيل تجميل هذه الشخصية بشتى الوسائل والأكاذيب أمام الفئة المستهدفة من المجتمع بغية تقبل هذه الفئة للشخصية البديلة لا بل والوصول بها إلى تقلد مناصب سياسية عليا في أجهزة الدولة ، وهنا تكمن الكارثة عندما يستبدل الشخص الصالح بالسيئ .
وهذا ألأمر جدا سيء وخطير وقد بدأنا نلمسه في مجتمعنا في الآونة الأخيرة بشكل كبير رغم أنه موجود في المجتمعات الأخرى على نطاق ضيق إلا أنه طارئ على مجتمعنا الطيب ، حيث يتم النيل من بعض الأشخاص في المجتمع من خلال التعرض إلى الجانب الأخلاقي لهم بالسوء ، وذلك بعدة وسائل أهمها وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت نقمة على مجتمعاتنا بدلا من أن تكون نعمة ، وهذا يدلل على تدني الوازع الديني والأخلاقي عند من يستخدم مثل هذه الأساليب وهو يعلم حقيقة أن ما يقوله أو يكتبه غير صحيح على الإطلاق ، ولكنه يلجأ لهذا الأسلوب لدغدغة عواطف وطيبة أفراد المجتمع ، وهكذا تكون النتيجة دوما في مجتمعنا فما أن نسمع خبرا يتعرض لأخلاق أحد ما إلا ونسارع لنبذه بيننا في المجتمع ، بل ونسابق الزمن في سبيل إيصال هذا الخبر إلى أكبر عدد ممكن من الأصدقاء والمعارف وكأنه عمل خير نتقرب به إلى الله ، وكل ذلك يتم دون أن نكلف أنفسنا عناء التحقق من صحة هذا الخبر الذي هو بالأصل إشاعة ، وكل هذا الجهد الذي نبذله نضعه في خانة درء الشبهات ، وتكون النتيجة موت وتصفية لهذا الشخص في المجتمع .
وأصل هنا إلى أن مفهوم اغتيال الشخصية ما هو إلا جريمة كبرى تقع بحق من يستعمل هذا الأسلوب ضده لما له من آثار نفسية واجتماعية بل وربما مادية تقع على هذا الشخص ، وهذه الآثار من الصعب نسيانها أو محو آثارها لديه بل ولدى بقية أفراد المجتمع ، وستبقى وصمة عار في جبين هذا الإنسان ما دام حيا ، ولا تعوضه عنها أموال العالم كله ، فنحن في مجتمع رأسمال الفرد فيه أخلاقه وحسن تعامله ، وأنهي حديثي بأن أدعو الله أن نبتعد عن مثل هذه الأساليب الدنيئة للنيل من بعضنا بواسطتها، وكم كنت أتمنى لو كانت العقوبات مغلظة بحق كل من يثبت أتباعه لهذه الأساليب الرخيصة من بث لإشاعات كاذبة ومغرضة بحق غيره .
وهنا أتمنى أن لا يفهم من حديثي السابق أنني من دعاة الحد من الحريات وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، بل على العكس تماما فأنا من أشد المدافعين عن هذه الحقوق، ولكن المتابع لوسائل التواصل يرى كما هائلا من الأمثلة على ما تحدثت عنه ، وأقول في هذا المقام أن النار ليس بالضرورة أن يتبعها دخان فهناك الكثير من النيران تستعر في داخلنا ولا نرى لها دخانا .