المصريون يترقبون موجة غلاء جديدة بفعل زيادة أسعار المحروقات

كان هشام جابر يستعد للزواج خلال أشهر قليلة، لكنه بات يعتقد أن هذه لم تعد فكرة جيدة بسبب موجة الغلاء التي يعيشها المصريون في ظل تطبيق الحكومة إصلاحات اقتصادية قاسية.
ويقول جابر: "أعتقد أن الزواج وتحمل أعباء إضافية في الظروف التي نعيشها لم يعودا فكرة سديدة، خصوصا أن الحكومة لا تترك لنا وقتا لنستريح بعض الشيء من عواقب الإجراءات الإصلاحية وتنفذها متلاحقة وسريعة، فيما تظل الأجور ثابتة".
وتأتي تصريحات الشاب المصري (28 سنة) بعد إعلان الحكومة المصرية الخميس الماضي زيادة جديدة في أسعار المحروقات منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي في تموز (يوليو) 2014.
ووفقا للأسعار الجديدة المعلنة، ارتفع سعر لتر البنزين 92 بنسبة 43 % ليسجل خمسة جنيهات، وارتفع سعر لتر البنزين 80 الأقل جودة بنسبة 55 % الى 3.65 جنيها، وزاد سعر السولار (الديزل) بنسبة 55 % ليسجل اللتر 3.65 جنيها.
وقال رئيس جهاز التعبئة والإحصاء، أبو بكر الجندي، في مؤتمر صحفي مؤخرا، إن قرار زيادة أسعار الوقود سينعكس على أجرة المواصلات العامة بنسبة تتراوح بين 10 % و15 %.
ويتوقع محللو السوق في مصر موجة تضخمية جديدة عقب خطوة الحكومة قد تكون الطبقة المتوسطة أكثر عرضة من سواها لآثارها، على الرغم من الإعلان في بداية الشهر عن انخفاض معدل التضخم السنوي في أيار (مايو) إلى 30.9 % مقابل 32.9 % في الشهر السابق، في أول تراجع منذ تحرير سعر صرف الجنيه في 3 تشرين الثاني (نوفمبر)، ما أفقده نصف قيمته.
ويقول الباحث الزائر في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، عمرو عادلي "ما حدث ليس انخفاضا في معدل التضخم وإنما هو تباطؤ؛ أي أن الأسعار مستمرة في الارتفاع، ولكن ليس بالوتيرة السابقة".
وتتوقع رئيسة قسم البحوث ببنك استثمار فاروس بالقاهرة، رضوى السويفي "أن يشهد التضخم السنوي خلال الشهرين المقبلين ارتفاعا إلى نسبة ما بين 34 % و36 %"، لكن نسبة ارتفاع المؤشر في الشهرين الأخيرين من العام ستبقى أقل بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي الذي شهد تعويم الجنيه.
وارتفع سعر الدولار الأميركي من 8.8 جنيهات الى نحو 18 جنيها منذ تحرير سعر صرف العملة في 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 كجزء من برنامج إصلاح اقتصادي وضعته الحكومة المصرية ووافق بمقتضاه صندوق النقد الدولي على منحها قرضا قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات.
وأدت هذه الإجراءات الى موجة ارتفاع غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات وتخطت نسبة التضخم السنوي في نهاية 2016 نسبة 25 % وواصلت التزايد الى أن بلغت مستوى قياسيا في نيسان (ابريل) 2017 قارب 33 %.
ويرى عادلي "أن سعر الصرف يعدّ كلمة السر في ارتفاع التضخم أو انخفاضه في دولة أكثر من 40 % من فاتورة وارداتها غذاء ووقود".
وتقول السويفي "من الصعب أن تسيطر الحكومة على مؤشر ارتفاع الأسعار ولا يتسنى لها إلا حماية محدودي الدخل من خلال توفير السلع الأساسية لهم بأسعار أفضل أو مجانا عبر منافذها".
ولحماية الأكثر فقرا ومحدودي الدخل، أعلنت وزارة المالية مؤخرا زيادة المخصصات المالية لبرنامج الحماية الاجتماعية ليصل الى 75 مليار جنيه من ضمن حزمة قرارات أعلنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منتصف الشهر لتخفيف آثار برنامج الإصلاح الاقتصادي على الأسر.
وتمثل نسبة الفقراء من عدد سكان مصر البالغ زهاء 92 مليون نسمة نحو 28 %، بحسب آخر البيانات الرسمية للعام 2015.
وبحسب السويفي، لا تغطي الحزمة المعلن عنها الا 40 % الى %50 من نسبة ارتفاع الأسعار منذ التعويم. وتضيف "الحكومة ضاعفت الحزمة الاجتماعية، ولكن الأسعار تضاعفت ثلاث مرات".
ويتصور المدير التنفيذي لمجموعة "مالتبيلز" للاستثمار في القاهرة، عمر الشنيطي، أن زيادة السولار (الديزل) ستطرح أكبر مشكلة لأنها ستؤثر بشكل مباشر على أسعار السلع والخدمات والعوامل الإنتاجية، ما يمس حياة مواطني الطبقات المتوسطة ودون المتوسطة.
ويقول "قد يرتفع سعر الخضار والفواكه بنحو 20 % -25 % بسبب زيادة تكلفة النقل".
ويستبعد الشنيطي أن تؤدي إجراءات الإصلاح الى توتر سياسي نتيجة الاستياء في الأوساط الشعبية؛ إذ إن "قناعة الحكومة بأنه لن يكون هناك رد فعل من الناس جعلتها تتخذ إجراءات الإصلاح بهذا العنف".
ويضيف: "الاضطراب الاجتماعي موجود بالفعل منذ تحرير سعر الصرف. وكان يفترض الا يفاجأ الناس بالقرارات، لأن ما يحدث متفق عليه بين الحكومة وصندوق النقد، الأمر الذي يجعلنا نتوقع ارتفاعات إضافية مقبلة "في فواتير الوقود".
وتعاني مصر منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك بعد انتفاضة 2011، ضعفا في الوضع الاقتصادية ونقصا في الدولار لانخفاض معدل الاستثمارات الاجنبية وعدد السياح بسبب التوتر السياسي والأمني.
وحصلت مصر في تشرين الثاني (نوفمبر) على 2.75 مليار دولار كدفعة أولى من قرض البنك الدولي.
وزارت بعثة الصندوق القاهرة في أيار (مايو) لتقييم آثار برنامج الدولة للنهوض بالاقتصاد، وأعلنت التوصل الى "اتفاق على مستوى الخبراء" بشأن الدفعة المقبلة البالغة 1.25 مليار دولار والتي يتوقع صرفها بمجرد إعلان المجلس التنفيذي للصندوق موافقته