الصادرات الأردنية في العام 2016: رؤية بانورامية
خلال العام 2016، تعرضت الصادرات السلعية الأردنية بشقيها؛ الصناعية والزراعية، لمستجدات وصدمات مهمة ينبغي متابعتها عن كثب والاستجابة لفرصها وتحدياتها الماثلة، سواء أكان ذلك على صعيد الاتجاهات العامة أو الأسواق الجغرافية الرئيسية أو التركيبة السلعية للصادرات.
وكما سنرى من التحليل أدناه، لم تكن هذه المستجدات والصدمات الخارجية كافة متوقعة، بل كان بعضها إيجابياً ومستتراً على نحو غير متوقع.
وغني عن التفصيل أن تشجيع الصادرات الأردنية غير التقليدية يعد محركاً أساسياً لإنعاش وتيرة النمو المتباطئ (2 % فقط العام 2016 مقابل 5 % تستهدفها خطة التحفيز) وتخفيض معدلات البطالة المرتفعة (18 % في مطلع 2017)، خصوصاً في ضوء ضعف الطلب المحلي بشقيه الاستثماري والاستهلاكي لأسباب إقليمية ومحلية، وانعكاس ذلك على القاعدة الضريبية ووعائها الأساسي وبالتالي عجز الموازنة.
ويستعرض هذا المقال أداء الصادرات في الأردن في العام 2016 من منظور تحليلي وشمولي، مع إيراد مقترحات مؤسسية لتحسين المحفظة التصديرية وديناميكيتها، معتمدين على إحصاءات التجارة الوطنية والنهائية والتفصيلية كما تعكسها البوابة التفاعلية والمتقدمة لخريطة التجارة الدولية Trade Map التابعة لمركز التجارة الدولية (ITC).
على المستوى الإجمالي، هبطت قيمة الصادرات السلعية الوطنية بنسبة 9 %، في حين كان التراجع في الصادرات الكلية (متضمنة إعادة التصدير) أقل وبنسبة بلغت 4 % لتصل الى 7.5 مليارات دولار مقابل 7.8 مليارات دولار في العام 2015. هذا التراجع رغم أنه يجاري النمو السلبي للصادرات العالمية في العام 2016 والبالغ 3 % (متضمنة إعادة التصدير)، إلا أنه تراجع ولا يجاري مبادرات تحفيز النمو الاقتصادي وتقليل معدل البطالة في المملكة.
فقدان جزء ملموس من السوق العراقية كان عاملاً رئيسياً؛ حيث تراجعت قيمة الصادرات الأردنية إلى العراق بمعدل 34 % لتبلغ نحو 500 مليون دولار (متضمنة إعادة التصدير) في العام 2016 مقابل 750 مليون دولار في العام 2015 ونحو 1300 مليون دولار في العام 2014، لكن من المهم التأكيد بوجود عوامل أخرى، أبرزها تراجع قيمة الصادرات السلعية في العام 2016 إلى عدد من الأسواق، أهمها السعودية (15 %) والهندية
(17 %) والسورية (51 %)
والتركية (15 %) والمصرية (9 %).
أما على الصعيد القطاعي، فيُفسر الهبوط الإجمالي في أنشطة التصدير الى تراجع الصادرات من الأسمدة
(26 %) والفوسفات (19 %) والخضراوات (23 %) والفواكه (19 %) واللحوم الحية (30 %)، وهي قطاعات تعتمد على الموارد الطبيعية المتاحة بوفرة ويتمتع فيها الأردن عموماً بميزة نسبية ظاهرة.
وتبدو صناعات التعدين والأسمدة والأغذية الأكثر تأثراً في الأردن في العام 2016. وللعلم، تراجعت الصادرات الإجمالية للعالم ككل من الأسمدة بنسبة 22 % في العام 2016 في حين حقق المغرب كاستثناء نمواً إيجابياً قوياً بلغ 14 % لأسباب ينبغي دراستها بعمق.
كما تجدر الإشارة إلى أن صناعة الكوابل والأسلاك الكهربائية المعزولة (HS= 8544) واجهت في العام 2016 تراجعاً في صادراتها بنسبة 16 % -للعام الثاني على التوالي- بسبب هبوط صادرات هذه الصناعة الى العراق والكويت، هذا مع العلم بأنها صناعة تصديرية واعدة حسب الاستراتيجية الوطنية للتصدير (2014-2019).
والمنوال نفسه ينطبق إلى حد ما على صناعتي اللحوم المحفوظة وبعض أنواع الدهانات الواعدة أيضاً. هذه الاتجاهات تتطلب مراجعة جادة للاستراتيجية الوطنية للتصدير، خصوصاً في ضوء المعوقات التنظيمية الإضافية التي واجهتها الصادرات الزراعية إلى بعض دول الخليج هذا العام بسبب المواصفات والجودة.
ورغم التراجع في قيمة الصادرات الإجمالية وفي صادرات الأسواق والقطاعات أعلاه، فقد حققت صناعات محددة أداء تصديرياً إيجابياً ولافتاً في العام 2016، أبرزها الألبسة (بنمو بلغ 3 %) والأدوية (13 %) والأجزاء والمعدات الكهربائية (24 %) والحلي والمجوهرات وأجزاؤها (46 %).
ومن الصناعات التصديرية ذات التقنية العالية التي زادت فيها حصة الأردن من السوق العالمية بشكل لافت في العام 2016: صناعة أجزاء المركبات الجوية والتي تتسم أيضاً بنمو مرتفع في الطلب الخارجي. هذا الأداء المتميز لهذه الصناعة يؤهلها لتكون أحد أبرز النجوم الوطنية الصاعدة أو الفائزين في القطاعات المزدهرة عالمياً، هذا الى جانب صناعة أجهزة هاتف لشبكة المحمول أو للشبكات اللاسلكية الأخرى.
على صعيد التوزيع الجغرافي للصادرات في العام 2016، وعلى غير المتوقع، تحسن التصدير الموجه إلى الاتحاد الأوروبي بصوة استثنائية (بنسبة 95 %)، لكن السبب يعزى لنمو صادرات صناعة هندسية واحدة مذكورة أدناه رمزها (HS=8803). الصادرات الى الولايات المتحدة شهدت أيضاً نمواً ملموساً بنسبة 8 % ولكن السبب –على غير المتوقع أيضاً- كان نمواً أكثر تنوعاً لعدد من الصناعات التصديرية تتجاوز الألبسة. أما التصدير الى مجلس التعاون الخليجي فقد تراجعت قيمته بنسبة 5 % بسبب هبوط الصادرت الزراعية، بما فيها الحيوانات الحية، إلى السعودية وهي أكبر شريك تجاري مع الأردن بعد الولايات المتحدة في العام 2016.
تشجيع الصادرات هو من الأهداف العابرة للوزرات والجهات المعنية، مثلها مثل تشجيع الاستثمار وتطوير التنافسية الدولية ومكافحة الفقر ودعم التشغيل، ولابد من التنسيق بين عدة جهات حكومية (بما فيها وزارة المالية!) ومنظمات خاصة ومانحين دوليين لتحقيق النتائج المرجوة. ما يزال الصناعيون بانتظار إصدار ونشر وثيقة السياسة الصناعية الوطنية الجديدة متضمنة محور الصادرات، كما أن تنفيذ الاستراتجية الوطنية للتصدير والاستراتجية الوطنية للتنمية الزراعية يحتاج إلى مراجعة وتقييم من منظور المساهمة الملموسة في تنمية الصادرات الوطنية.
وأخيراً تتحدث خطة تحفيز النمو الاقتصادي الأردني عن تعزيز نفاذ الصادرات من السلع والخدمات إلى الأسواق الواعدة بدءاً من العام 2018، لكنها لا تتضمن برنامجاً تنفيذيا يحدد: المؤسسة/ الجهات المسؤولة عن التنفيذ، والإطار الزمني للتنفيذ، وآليات التنسيق، ومؤشرات المتابعة والتقييم.
وإذا كانت وزارة التخطيط قد كُلفت بإعداد مثل هذا البرنامج التنفيذي، فالمقترح هو أن تتحول وزارة التخطيط التقليدية الى وزارة تنفيذية سيادية فاعلة وتابعة مباشرة لرئيس الوزراء أو لمجلس السياسات الاقتصادية وتتبعها دائرة الموازنة العامة التي تطبق نموذج "الموازنة الموجهة بالنتائج" بصورة عملية.
يمكن تسمية هذه الوزارة الجديدة وزارة الاقتصاد الوطني، وهي ستكون مسؤولة قانونياً عن تحقيق هدف النمو الاقتصادي الشامل والمستدام ودعم محركاته المحلية والتصديرية. فالنموذج المؤسسي التقليدي للنمو الاقتصادي لم يعد يواكب المستجدات والتحديات الراهنة.