الإسراف والاستهلاك النمطي يهيمنان على ولائم رمضان

تعد مظاهر الترف والاسراف والتبذير، أنماطا وسلوكيات سلبية تزيد من القيم الاستهلاكية وتكرسها، خصوصا في شهر الصوم.
العديد من الأسر ترى أن الموائد الرمضانية تعتبر من ابرز سمات الشهر الفضيل التي تعكس إحدى الظواهر السلبية وهي القاء الأطعمة في سلة المهملات، إضافة إلى تكبد الأسر لمصاريف تتجاوز ضعف ما تنفقه في الأشهر العادية.
أم علاء تقول "اعمل بجد لتزيين مائدة رمضان وإظهار براعتي في الطبخ"، ولا تخفي أنها قبل أن تتناول الأسرة الطعام وتستمع به، تقوم بالتقاط صور لما أعدته من طعام وشراب لتقوم بنشرها على صفحاتها الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويبدي محمد عبدالله استياءه من عادات الاسراف والتبذير لزيادة التكاليف والنفقات، معتبرا أن التباهي والتفاخر دفعه إلى الاستدانة لإقامة وليمة كبيرة لا تختلف عن الولائم التي يقيمها اقاربه، على الرغم من علمه أن رمضان شهر العبادة وليس الطعام.
وتزين ميرفت الكسواني مائدتها الرمضانية بأشهى الأطباق وبأفضل الطرق التي حصلت عليها من برامج الطهي في الفضائيات وصفحات الطبخ على شبكة الإنترنت معتمدة على المثل (العين هي التي تأكل)، مشيرة الى انه وما أن يحل موعد الإفطار حتى يجتمع افراد اسرتها على المائدة مبهورين بالأصناف المختلفة من الخضار واللحوم والأرز المزينة بالمكسرات وأنواع السلطات، إلا ان المفاجأة الأكبر ان بعض الأصناف لم تمس، حيث تقف حائرة أمام ما تبقى من طعام وشراب، الأمر الذي يدفعها إلى تخزين هذا الطعام في الثلاجة، لكن زوجها وأطفالها يعترضون بحجة رغبتهم في تناول الطعام الطازج وليس المبرد، ثم ينتهي المطاف أخيراً بإلقاء الطعام في سلة المهملات.
تظهر الفتوى الصادرة عن دائرة الافتاء العام، المتعلقة بحكم إلقاء الطعام الزائد في القمامة والإسراف والتبذير في الإسلام، أن الله تعالى نهى عن الإسراف في الأكل والشرب لقوله تعالى "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين "الاعراف 31، إذ من باب أولى بالتحريم اتلاف المال، لأن إتلاف المال أشد سوءا من الاسراف فيه، والله تعالى لا يحب المسرفين وأن النبي عليه السلام مر بتمرة على الأرض، فقال: "لولا أن تكون صدقة لأكلتها"، فاحترام النعمة وصيانتها من باب شكر الله تعالى الذي قال :"لئن شكرتم لأزيدنكم".
ويقول عميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور محمد الخطيب، ان شهر رمضان المبارك يحث على التقوى، بل إن صيامنا من أجل الوصول للتقوى، مشيراً إلى أن هناك العديد من الظواهر السلبية التي تتنافى مع هذا المعنى العظيم لفريضة الصوم.
ويضيف أن هناك ذما قطعيا وصريحا للإسراف في الطعام والشراب في قوله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، والإسراف في شهر رمضان وغيره من أيام السنة منهي عنه، ‏فإنفاق الأموال على هذه النعم، ومن ثم إهدارها والقائها في النفايات يعد مخالفة صريحة لتعاليم ديننا، وأمر ينكره الشرع ويحرمه، لافتا إلى أن ظاهرة الإسراف في شهر رمضان المبارك لا تقتصر على الموسرين أو المقتدرين فحسب، بل تشمل جميع الأسر غنيها و فقيرها، حيث أصبحت عادة سيئة وصفة ملازمة لجميع الأسر.
ويبين أننا مسؤولون أمام الله عن هذه النعم التي أنعم الله بها علينا، ومسؤولون عن شكرها وحسن التصرف بها، وقد أمرنا سبحانه وتعالى في السعي للكسب الحلال، وفي المقابل أمرنا أن نصرفها وننفق هذا الكسب في حلال ودون إسراف أو تبذير، فيما نهى الله عن الشح والبخل والتقصير وحرمته.
ويلفت الخطيب إلى أن شهر رمضان، شهر البر والإحسان، وشهر المغفرة والرضوان، ويجب أن نحرص على الالتزام بهدى المصطفى صلى الله عليه وسلم، بأن يظهر علينا أثر نعمة الله، ولكن دون إسراف، حيث يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)، وعن ابن عباس قال (كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطاك خصلتان: سرف وخيلة)، ‏فما أحوجنا في هذا الشهر الفضيل إلى تغيير في أنفسنا وعاداتنا السيئة والخاطئة، فنتقي الله في طعامنا وشرابنا، وليكون شهر رمضان منطلقا لتصحيح هذه السلبيات، ولنعمل أن نزيد من إنفاقنا على الفقراء والمساكين، ونكثر من الصدقات بدل أن ننفق أموالنا في الإسراف بالطعام والشراب