خبراء يعزون تفاقم الفقر والبطالة لضعف التشخيص وسطحية المعالجات

يعزو خبراء اقتصاديون تفاقم ظاهرتي الفقر والبطالة، خلال العقود الماضية، إلى تضافر العديد من الأسباب من بينها ضعف التشخيص، وسطحية المعالجات، والحلول المؤقتة، وفساد آليات التوظيف، في ظل غياب المحاسبة والمساءلة، ناهيك عن الظروف الإقليمية المحيطة المرتبطة باللاجئين.
أرقام الفقر والبطالة خلال الفترات السابقة تراوحت بين ارتفاع وانخفاض، إلا أنها باتت بازدياد مستمر خلال السنوات العشر الأخيرة.
معدلات الفقر تقدر حاليا بحوالي 14.4 % وفقا لآخر أرقام معلنة رسميا مقارنة مع 13.3 % عام 2008، فيما كانت عام 2006 تصل الى 13 %، أما في 2002 فقدرت بحوالي 17 %.
يشار هنا إلى أنّ الحكومات المتعاقبة كانت أعلنت نتائج لـ4 مسوحات للفقر الأول في 2002 والثاني في 2006 (حيث كان مسح الفقر يتم كل 4 سنوات) والثالث في 2008 وأخيرا في 2010، فيما أنجز مسح في 2013 ولم يتم الإعلان عن نتائجه بشكل رسمي. إلا ان مصادر أخرى أكدت بأنّ نسب الفقر خلال هذه الفترة قدرت بحوالي 20 %.
وفي عام 1997 كانت نسب الفقر وفق أرقام صادرة عن وزارة التنمية الاجتماعية قد وصلت الى 21.3 %. أما أرقام البطالة فقد كانت عام 1976 تقدر بحوالي 1.6 %، فيما تقدر اليوم بحوالي 15.8 %. وتشير أرقام ذكرت في وقت سابق على لسان وزير الدولة للشؤون الاقتصادية الأسبق الدكتور يوسف منصور ونسبها الى أرقام رسمية الى أنّ معدلات البطالة كانت تقدر في 1976 بحوالي 1.6 %، وقد بدأت بعد منتصف السبعينيات بالارتفاع؛ حيث بدأ استبدال العمالة المحلية بالأجنبية وارتفاع دخل الأردني من الخليج وتوجهه للوظائف الحكومية المريحة نسبيا، لتصل البطالة عام 1981 إلى 3.9 %، ولتستمر في الصعود بتسارع كبير فتصل إلى 8 % في عام 1987، وتقفز إلى 10.3 % في عام 1989، حين سقط أيضا معدل النمو الحقيقي ليصبح سالب 10.7 %، وليسقط الدينار مع الإنفاق الحكومي غير المدروس وانتشار العمالة البديلة، وسياسات الحكومة التوسعية في التوظيف من غير حساب.
ويضيف منصور أنه في عام 1990 قفز معدل البطالة إلى 16.8 %، والغلاء إلى 16.2 % وكان النمو الحقيقي سالب 0.3 %، معتبرا هذه الفترة "الأقسى على تاريخ الأردن الاقتصادي".
ثم ارتفعت البطالة إلى 17.4 % في 1991، وهبطت إلى 15 % في 1992 مع بدء إنفاق مدخرات وتعويضات العائدين من الخليج وتحقيق معدل نمو اقتصادي حقيقي بلغ 14.2 %؛ حيث كان من أعلى معدلات النمو التي حققها الاقتصاد الأردني على مدى خمسين عاما.
ووفقا لمنصور، فإنه سرعان ما ارتفعت البطالة لتصبح 19.2 % عام 1993 بعد إنفاق مدخرات العائدين وفشل البنية الاقتصادية في التحرك وخلق الوظائف والاستفادة من هذه الأموال والاستثمارات التي ذهب معظمها إلى البناء وأدى إلى توظيف غير الأردنيين في مهنة البناء.
ويذكر منصور أن القرن الجديد بدأ بمعدلات بطالة تراوحت بين 12.0 % و15.3 %، والحكومة في نمو مستمر حيث وصل معدل التوظيف السنوي فيها 6.3 % في الفترة 2003-2013 بينما لا يزيد متوسط النمو السكاني عن 2.2 %، أي أن معدلات توظيف الحكومة تقارب ثلاثة أضعاف نسبة النمو السكاني، ما شجع على توجه الشباب نحو العمل الحكومي؛ حيث توفر ظروف العمل التأمين الصحي والاجتماعي وتتميز بالاستقرار وتدني ساعات العمل بالنسبة للقطاع الخاص.
وقال إنّ متوسط البطالة في الفترة 2005-2008 كان 13.7 %، بينما انخفض هذا المتوسط لفترة الركود الاقتصادي (2009-2013) الى 12.6 %.
أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك، الدكتور قاسم الحموري، يرى أنّ الفقر والبطالة سببهما "ضعف التشخيص"؛ حيث يعزى الفقر في تشخيص الحكومات لأسباب بعيدة عن الواقع وعن الدراسات المسحية العلمية لمناطق الفقر.
كما أنّ تشخيص البطالة كان دائما في الماضي بعيد عن الحقيقة؛ حيث كان يعزى دائما الى "ثقافة العيب" وهو بعيد عن الصحة، حيث أنّ هذا السبب زال مع مرور الوقت.
ويقول الحموري إنّ العلاجات لهذه المشكلات اتسمت بـ"السطحية" كما اتسمت بأنها"مؤقتة" فالفقر كان يعالج دائما بالمعونات العينية والمالية، والبطالة كانت تعالج بتجنيد الأفراد في الأجهزة الحكومية، دون أن يكون تركيز على حلول طويلة المدى وجذرية والتي على رأسها الاستثمار.
ويؤكد الحموري أنه لم يكن هناك اهتمام فعلي في السابق بالاستثمار ولم تقم الحكومات بأي سياسات حقيقية لجذب الاستثمارات أو الحفاظ على القائم منها ولم تذلل الصعوبات التي تحد من نمو الاستثمار وعلى رأسها البيروقراطية.
أما الفساد، وفق الحموري، فلم تستطع الحكومات أيضا إقناع المواطن أنها جادة في مكافحته وبقيت الفرص والعمل يذهب لصالح المتصلين بالسلطة وظل المواطن محروم ويعاني من الفقر والبطالة.
ويضيف الى الأسباب غياب المحاسبة والمساءلة؛ حيث أن الحكومات المتعاقبة قضت مدتها دون أن يتم محاسبتها على انجازاتها أو سياساتها، وبالتالي كانت المشكلات الاقتصادية تزيد عاما بعد عام.
وزير التنمية الاجتماعية الأسبق، الدكتور محمد مامسر، يرى أن السبب الرئيس في الفقر هو البطالة، مشيرا إلى أنّ الأردن لم يكن يعناني في الماضي من هذه المشكلة، خصوصا أنّ نسبة كبيرة من الأردنيين كانوا يعملون في الخليج، إلا أن الظروف الحالية انعكست ولم يعد هناك وظائف بل إن العامين الماضيين شهد تسريحا لموظفين في الخليج.
وأضاف أنّ ثقافة العيب كانت في الماضي سببا لعدم إقبال الاردنيين على بعض الوظائف، وكانت سببا للفقر، فيما اليوم لم يعد كذلك؛ حيث تجاوز الكثير من الشباب هذه المشكلة وباتوا يعملون في كثير من المهن التي كانت عيبا بالنسبة لهم، لتحل محلها اليوم مشكلة اللاجئين الذين ينافسون أبناءنا على بعض المهن.
وأشار إلى أنّ انخفاض معدلات الدخل وارتفاع الاسعار هو سبب آخر من أسباب الفقر.
الخبير الاقتصادي، زيان زوانة، أشار الى أنّ سياسات الحكومات المتعاقبة ساهمت في زيادة الفقر والبطالة.
وذكر زوانة أن فترة الستينات كان 90 % من المواطنين في المملكة يعيشون نفس المستوى المعيشي، وكان فقط القلة ممن هم يملكون الممتلكات والسيارات، وهذا يعني وفق زوانة بأنّ "الضغوط الاجتماعية" لم تكن موجودة لأنّ جميع الناس يعيشون ينفس المستوى.
على أنّه وبعد السبعينات بدأت القيم المجتمعية تتغير، خصوصا مع خروج العديد من المواطنين للعمل في الخليج، وبدأت هناك الفوارق المجتمعية وبدأت العائلات تعيش تحت الضغوط الاجتماعية حيث تنامى السلوك الاستهلاكي.
وبعد هذه الفترة بدأت العائلات تلجأ للدين والقروض، وأصبحت ميزانيات الأسر منهكة، فيما بدأ الفساد بالظهور، بالإضافة إلى مشاكل أخرى.
واوضح زوانة أن متطلبات الناس تطورت مع الوقت، فيما كانت السياسات الحكومية للمواطنين "غير موجهة لخدمة التنمية المجتمعية"، خاصة خلال الـ25 السنة الماضية. فكانت "الخطط والسياسات غير معنية بالناس".
وأدى هذا، وفق زوانة، إلى تضاؤل التنمية الاقتصادية بعد فترة السبعينيات –التي شهدت نموا وانجازات حقيقية في جميع القطاعات لا سيما البنية التحتية والخدمات؛ حيث بدأ طموح الناس أكبر بكثير مما تنجزه الحكومات، مشيرا إلى أنّ الحكومات المتعاقبة لم يكن لديها سياسات نمو مستمر وعادل ومستقر.