«نقوط» وطني
غالباً ما يعتبر النقوط آخر فعالية جماعية في العرس ..حيث يتوافد أقارب وأصدقاء وجيران العريس والمدينين له بـ»نقوط سابق»..الى المضافة ، ليتعشّوا معه العشاء الأخير ، ثم يقف شخص من طرف العريس يتمتع بصوت جهوري ...مرحّباً بالحاضرين ترحيباً ملغوماً..مفتتحاً بعدها مزاد «النقوط».. فيمدّ كل شخص من الموجودين يده على جيبته العلوية حيث «طوى» الورقة النقدية من عصر ذلك اليوم مع الاطمئنان على وجودها بشكل دوري كل خمس دقائق..
حتى النقوط الذي يعتبر دعماً مادياً عفوياً للعريس (المكلّف) كان لا يخلو من التحايل ايضاَ، فغالباً ما يقوم صاحب الصوت الجهوري بالبدء بوالد العريس الذي بالضرورة سوف «ينقّط»رقماً عالياً 200دينار مثلاً،فينادي «كمسري النقوط» بنغمة مرتفعة ومتأنية» خلف الله عليك يابو يحيى 200 ليرة» ، ثم ينتقل الى اشقاء العريس 100 عن كل شخص(يكون ابو يحيى قد وزعها عليهم في وقت سابق).. خلف الله عليك يا عايش 100..خلف الله عليك يا شايش 100..خلف الله عليك يا شلاش 100..طبعاً ينادي بصوت مرتفع على الأرقام العالية ليحرج «أبو الخمسة» الجالس في زاوية المضافة علّه يضاعف النقوط المرصود الى «10» على الاقل..ثم ينتقل الى الفئات النقدية الاصغر ..خلف الله عليك يا جوز فزّة «20»..خلف الله عليك.. يا مصطفى فغاغا «10» ..خلف الله عليك يا فالح الاطرم «10»...ثم بصوت منخفض جداً خلف الله عليك يا بو طايل 5، وبصوت يشبه الهمس خلف الله عليك يا عودة «الامزط» كمان 5،وبصوت يشبه التمتمة ابن تركية 5...وبعد ان ينتهي يرتّب الغلّة «تنازليا» وهو يردد : يخلف عليكو جميع «اللي نقط واللي ما نقط»...ثم يضع اجمالي المبلغ بيد والد العريس على نية ان يقوم الأخير بتسليمه «للمغدور» في اليوم التالي ...المهم ،بعد ان يزف العريس الى عروسه..وينتهي العرس بكامل فعالياته يسترجع الوالد الــ200 المدفوعة امام الناس..كما يسترجع ما دفعه الأخوة في العلن .....ويتبقى للعريس ما جاد به جماعة «ابو الخمسة وأبو العشرة « الذين دفعوا كامل النقوط الفعلي عن طيب خاطر...
كل ما يجرى من عمليات اقتطاع رواتب رئيس الحكومة ووزرائه ومستشاريهم وكذلك النواب والأعيان ومدراء وغيرهم من رجالات الصف الأول..ودب الصوت في «خلف الله عليك يا فلان» الذي يقوم بها الاعلام الرسمي ... ليس الهدف منها على الإطلاق دعم الخزينة بقدر ما الهدف منها «تخجيل» المواطن الجالس في زاوية الفقر او المقرفص على عتبة الوطن ، قاصدين «احراجه» ليقوم بتصرف مماثل أو ليقبل بالرفع المرتقب على الأقل دون ان يتذمّر...وفي نهاية المطاف الكبار قد يسترجعون «اقتطاعاتهم» ويبقى جماعة الرواتب الصغيرة والدخل المحدود هم من دفع كامل «النقوط» الوطني...