من الصحف إلى مواقع الإنترنت

تعد زيارة الطابق الأخيرة من برج "آكسل سبريغر" في برلين بمثابة العودة تاريخياً إلى العصور الضائعة. وتضم شركة النشر الصحفي هذه مجموعة من الغرف الخشبية المليئة بالكتب العتيقة والكراسي الجلدية، فضلا عن اللوحات الكلاسيكية. إنها أقرب أن تكون إلى "رمز"، وفقا لما وصفها به رئيس الشركة التنفيذي، ماتياس دوفنير.
وإذا ما كانت الشركة ما تزال رمزا منطقيا أم لا، أمر ما يزال غير واضح المعالم، لاسيما وأن أعمالها تحولت بسرعة كبيرة من أعمال النشر والطباعة الصحفية إلى مجموعة من الأعمال التجارية الرقمية. وفي العام 2000، لم تكن الشركة تتمتع بأي إيرادات رقمية، إلا أنه في نهاية العام الماضي، أتت 72 % من أرباح عملياتها مباشرة من أنشطتها الرقمية. وقد ارتفعت أرباح الشركة بنسبة 37 % على مدى العقد الماضي، من 434 مليون يورو في العام 2006 إلى 596 مليون يورو العام الماضي.
وقبل 4 سنوات من الآن، باعت "آكسل سبرينغر" الكثير من الصحف الورقية والمجلات، بما فيها "هامبيرغر أبيندبلات" و"بيرلاينر مورغنبوست"، مبلغ 1.2 مليار دولار. وكانت على وشك ابتياع الـ "فاينانشال تايمز"، الصحيفة البريطانية ذات الشهرة القوية على الإنترنت، لكنها خسرت لمصلحة "نيكي" اليابانية، والتي دفعت مبلغاً ضخماً يراوح الـ 1.1 مليار دولار. وقد قيل أن المساهمين ارتاحوا لذلك.
وفي الوقت نفسه، تمتد قائمة المقتنيات الرقمية لـ "آكسل سبرينغر" إلى أكثر من 150 موقعا في العقد الماضي. ويعتبر "ستيب ستون" على سبيل المثال، الموقع الإلكتروني الأكثر زيارة من الباحثين عن وظائف في ألمانيا، أحد العديد من المنصات الشهيرة التي تملكها الشركة، والتي تمتد من مواقع بيع السيارات المستعملة وإيجارات أيام العطلة إلى الوظائف والعقار. وهي تملك أكبر مجموعة ربحية من هذه المنصات بواقع الحال.
وتنطوي حيازات الشركة الأجنبية على "بزنس إنسايدر"، الصحيفة الرقمية فقط والمعروفة بعناوينها الجذابة إلى جانب قصصها الإخبارية الأكثر جذباً للقراء مثل "الأفراد الأروع تحت الأربعين في وادي السيليكون". وتضم قائمة حيازات الشركة أيضا "إي-ماركيتر"، جهة نشر تتخذ من نيويورك مقرا لها وتختص في بيانات السوق الرقمية. وفي العام الماضي، تحالفت "آكسل سبرينغر" مع "سامسونج" الكورية الجنوبية لبدء "أب دي"، خدمة أخبار على الهواتف الذكية تتميز بأنها تمزج الخوارزميات بمحررين بشر من أجل تزويد المستخدمين بتيارات أخبار شخصية.
ويطل برج الشركة في برلين على شركتها الجديدة سريعة الامتداد، والتي جاءت نتاج مشروع مشترك مع " "بلاغ آند بلي"، الشركة التي تتخذ من وادي السيليكون مقراً لها والتي ساعدت شركات كبيرة مثل "غوغل" و"بي بال" في بداياتها. والهدف من هذا الشركة الجديدة هو تقديم نظرة مبكرة عن عوائق العمل للشركة الأم، حتى تتمكن الأخيرة من اتخاذ قرار قاطع بشأن اتمام صفقات الشراء أو التغاضي عنها بالكامل. وفي الآونة الأخيرة، بدأت "آكسل سبرينغر" تتوجه نحو الاستثمارات المباشرة (التي ما تزال في مراحلها الأولى) في الشركات الأميركية حديثة النشأة مثل موقع "ثريليست دوت كوم"، وهو موقع يدور محتواه حول أنماط الحياة للشباب. وابتاعت الشركة الألمانية أيضا حصصا من الشركات العملاقة أيضا: ففي "إير بي أن بي"، موقع تأجير الشقق والمنازل، وفي مجموعة "إيبرل" وحتى في "أوبر".
ولكن هذه الشبكة الكبيرة من الاستثمارات تتسبب ببعض الإرتباك بوجهة نظر البعض، وفي هذا السياق، يقول بروفيسور الإعلام في جامعة "لودفيغ ماكسيميليان" الواقعة في ميونخ، نيل ثورمان، أن "آكسل سبرينغر" تحتاج إلى أن تتمتع بشفافية عالية في كيفية إبلاغها عن الشركات. وبين ثورمان أنه كثيرا ما تتضمن صحف المجموعة مقالات تكشف عن مصالحها المالية، لكن بعض المقالات تتجاهل –ربما عمدا- إيضاح ذلك.
وتبرز محاولة الشركة شراء الـ"فاينانشال تايمز" شهيتها المستمرة للصحافة التقليدية، وقد أصدرت المجموعة في كانون الثاني (يناير) "فوزبول بيلد" –الصحيفة الرياضية التي تأتي مطبوعةً وحسب- أول صحيفة رياضية ألمانية يومية. ولكن معظم مطبوعات الشركة تواصل تراجعها في عمليات التداول. بحيث انخفض متوسط تداول صحيفة "بيلد" اليومي بمقدار النصف من العام 2006 حتى 2016، من 3.8 مليون إلى 1.0 مليون. ولكن، أبتاعت الشركة –من خلال الاستثمار في الإعلانات المبوبة الرقمية- لنفسها الوقت اللازم لمحاولة إنقاذ أعمالها الورقية التقليدية، وفقاً للمحللة الإعلامية كاتيا ريفلر. وإذا ما ساعدت الشركات الصغيرة التابعة للشركة من تحقيق ذلك، ربما ستتم دعوتها جميعها إلى نادي الصحفيين.