الحراك والإصلاح

يكثر الحديث هذه الأيام في أن حراك الشارع كما عهدناه في السنوات الثلاث الأخيرة، قد بدأ يفقد زخمه. يبني المتحدثون استنتاجهم هذا على ملاحظتهم أن أعداد المشتركين في المسيرات والاعتصامات السياسية قد بدأت تتقلص؛ كما فقدت اهتمام الناس بها والتركيز عليها. وهي ظاهرة لا مجال لإنكارها الآن، بل إنها كانت متوقعة من قبل.

 لكن يجب الاعتراف، قبل ذلك، بأن الحراك قد حقق نتائج كبيرة لا يجب إنكارها، بل ينبغي التمسك بها وتجذيرها في حياتنا السياسية حتى لا نفوت علينا فرصة الاستفادة منها.

فقد أصبحت أعمال الحكومة وإجراءاتها وما يحدث داخل البرلمان وفي الصحافة، وفي القطاع الخاص، وحتى في الدوائر الداخلية للأحزاب وأهل الحراك أنفسهم، تجري في دائرة الضوء، بانزلاقات، أحيانا، خارجها للعتمة المحيطة. وهي عتمة حالكة بسبب تركيز الضوء على أحداث قريبة. باختصار، أصبح كل ما يخص الشأن العام شأنا لكل المواطنين يؤثرون في نتائجه، سواء ذلك عبر الحراك نفسه، أم في المجالس الخاصة وفي مؤسسات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام أيضا.

ومع ذلك بدأ يفقد الحراك زخمه. لماذا، يا ترى؟ سوف أحاول هنا فحص هذه الحقيقة من خلال صفتين لازمتين في طبيعة ما رأيناه من مظاهره:

الأولى، أن شعارات الحراك تجاهلت كل ما تقوم به، الحكومة، حاليا، في استكمال كافة القوانين الناظمة للحياة السياسية.؛ كما تجاهلت التعديلات الدستورية، وهي تعديلات كبيرة وشاملة، وتصر، بالمقابل، على تعديلات مستحيلة تمكن من قيام حكومات منتخبة.

ينسون أن دستورنا لا يمنع ذلك بل يضمنه. هذا الشعار يجب أن يكون موجها للأحزاب لتقوية نفسها فتصل للبرلمان بقوة تمكنها من تشكيل الحكومة. إلا إذا أرادوا تسلم الحكم خارج إرادة الشعب، كما يحدث عادة في الانقلابات العسكرية.

وهم يطالبون بحل البرلمان، بينما يعلنون رفضهم المشاركة في الانتخابات. يعلمون جيدا أن الخروج من الوضع الحالي الشاذ سينتهي بحل البرلمان بعد أن يكون قد سن قانون انتخاب عصرياً نريده جميعا. ذلك، بظني، هو ما جاءت حكومة الطراونه لتنفيذه.

أم أن ذلك غير واضح لهم؟ ثمة خلط في الأمور يكاد يكون مقصودا لذاته. إذا كانت هذه هي الحقيقة، فلا يبقى سوى أن الشعارات المطروحة قد رفعت لتنفيذ أجندات حزبية أو شخصية لا علاقة لها بما تطالب به جماهير الحراك.

كنا نتمنى أن تركز الشعارات على أمور واضحة يمكن للحكومة إنجازها بشفافية تمكن الناس من متابعتها. نضرب مثلا في ذلك بمحاربة الفساد المالي والإداري واجتثاثه من جذوره واسترداد ما نهب من مقدرات الدولة، ووضع سياسات فاعلة لمنع الهدر وترشيق الحكومة وإلغاء عشرات المؤسسات والهيئات المستقلة التي تساعد على إضعاف البلد في مواجهة التحديات.

ثانيا: لقد ترافق رفع شعارات غامضة وغير محددة، مع غضب وهياج تجاوز كل ما أجمع الناس على إنكاره، كما لو كان بعض قادة الحراك يبحثون عن معارك تحبط كل جهد في سبيل الإنجاز الحقيقي.

 لهذه الأسباب مجتمعة ينفض الناس عنهم. لقد أنهكتهم تعبئة لا طائل تحتها.