بناء سبل المعيشة القوية في الريف أمر اساسي لمساعدة اليمن

يشهد اليمن حالياً أكبر أزمة إنسانية في العالم. فأكثر من 17 مليون إنسان في هذا البلد المعروف بطبيعته الجغرافية الوعرة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وهذا العدد مرشح للارتفاع بسبب النزاع المستمر الذي يُضعف القدرة على زراعة الغذاء واستيراده وتوزيعه ودفع ثمنه. وأصبح أكثر من سبعة ملايين شخص الآن على حافة المجاعة، بينما يحصل الباقون بالكاد على الحد الأدنى من متطلبات التغذية اليومية بفضل المساعدات الانسانية والمعيشية الخارجية. ويلوح خطر حقيقي بحدوث مجاعة واسعة النطاق ستلقي بظلالها القاتمة على البلاد لأجيال المقبلة.

الحل السياسي وحده هو الذي يمكن أن يضع حداً للمعاناة في اليمن، حيث لا أمن غذائي بدون سلام. وكلما تأخرنا في صياغة خطة تعافي ممولة بشكل كاف، كلما كان العبء أكبر من حيث الموارد وسبل المعيشة الانسانية.

ولا بد أن نتذكر أن المجتمع اليمني هو مجتمع يشكل الشباب سواده الأعظم، ولكن حوالي 2.2 مليون طفل تحت سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد. وبما أن التغذية غير الكافية في المراحل الأولى من عمر الطفل يمكن أن تسبب له أضرارا سيعاني منها طوال العمر، فلا بد من العمل لوقف هذا الانحدار نحو الهاوية.

ولمنع تدهور حالة الأمن الغذائي، فإن خطة الاستجابة الانسانية يجب أن تشتمل بشكل أساسي على دعم فوري لسبل المعيشة، ولا سيما قطاعي الزراعة والأسماك. وهذا العام وجهت الفاو في اليمن نداءً إلى العالم لتوفير مبلغ 48.4 مليون دولار أمريكي للوصول إلى ثلاثة ملايين شخص.

ورغم أن اليمن بلد يعتمد بشكل كبير على الواردات لتلبية كل حاجاته تقريباً من القمح والأرز، إلا أن السكان لا يزال بإمكانهم إنتاج الكثير من الغذاء بأنفسهم، وهم يقومون بذلك بالفعل. ولكن هذا الأمر يتطلب توفير البذور والأسمدة والوقود لتشغيل لمعدات والري لمليوني أسرة مزارعة تفتقر حالياُ لهذه المدخلات الزراعية.

في عام 2016، تقلص الانتاج الزراعي ومساحة الأراضي المزروعة بنسبة 38 بالمائة بسبب عدم توفر هذه المدخلات. وانخفض الانتاج الحيواني بنسبة 35 بالمائة. ومن  غير المتوقع أن تتحسن الأحوال عام 2017 من دون تدخل الأسرة الدولية.

إن منظمة الفاو متواجدة على الأرض في اليمن، وتعمل على مدار الساعة لتقديم مساعدات معيشية طارئة لإطلاق عملية انتاج الغذاء. وتشتمل هذه المساعدات على مدخلات مثل صناديق أدوات انتاج زراعي سريع لساحات المنازل الخلفية، والتي تتضمن بذور الخضار والدجاج البيّاض وخزانات حفظ مياه الأمطار والمضخات العاملة بالطاقة الشمسية والأعلاف والأسمدة وقوارب الصيد والمحركات وشبكات صيد الأسماك ومعدات التشغيل والدعم المادي.

وصناديق الانتاج المنزلي هذه، والمصممة لتوفير الغذاء لأسرة من 20 شخصاُ لستة أشهر، وتمثل مساعدة إنسانية قليلة التكلفة يمكن توسيع مداها لتصل إلى أعداد أكبر من الناس وبشكل أسرع. وينطبق هذا بشكل خاص على المهجّرين داخلياً، والذين باتوا يشكلون أكثر من 10 بالمائة من السكان وتعتمد غالبيتهم العظمى على الزراعة وتربية المواشي. فهؤلاء الناس يعيشون الآن في مخيمات أو عند أقربائهم أو في أماكن مكشوفة، ومساعدتهم على تخفيف الضغط على المجتمعات المضيفة لهم سيكون له فائدة مضاعفة من حيث الغذاء والترابط الاجتماعي.

كما تمتاز صناديق المعدات هذه ببساطتها، بمعنى سهولة تنفيذها، وكذلك، في حالة اليمن، بمتانتها وتحملها لأسوأ السيناريوهات مجتمعة وفي وقت واحد.

هذه البساطة ضرورية جداً لدعم الأسر الزراعية الريفية المعزولة بشكل خاص، والتي يعيش نصفها تقريباً على بعد أكثر من ستة كيلومترات من أقرب سوق محلي حيث التنقل محفوف بالمخاطر والطرق مدمرة. وبالنسبة لكثير من هذه الأسر فإن هذه الصناديق هي وسيلة النجاة الوحيدة لهم للحصول على الطعام.

وفي محاولة لاستعادة سبل المعيشة الزراعية، تقدم الفاو كذلك صناديق أدوات ابتدائية لمربي النحل، وتقوم بتبديل معدات صيد الأسماك التالفة أو المفقودة، وبمنح الأسر الريفية مخضات زبدة تضاعف الانتاج عشر مرات وتغطي النقص الخطير في الألبان في اليمن.

ومع اضطرار الكثير من الأسر لبيع حيواناتها التي تعتبر مصدر انتاج رئيسي، وتباطؤ عملية تجديد المخزون بسبب عدم القدرة على الحصول على الأعلاف، تقوم الفاو أيضاً بتوزيع قسائم على الأسر المحتاجة لتمكينها من شراء المواشي. وفي نفس الوقت تقوم المنظمة بتعزيز الشبكات البيطرية لتلقيح ومعالجة المواشي المريضة ومراقبة واحتواء الأمراض الحيوانية المحتملة العابرة للحدود والتي تشكل خطراً كبيراً على الأسر التي تعيش في المناطق البعيدة والمعزولة في اليمن وعلى تجارة الثروة الحيوانية في الإقليم على حد سواء.

إن جعل النظام الغذائي في اليمن أكثر استدامة يحتاج إلى جهود طويلة الأمد ويتطلب تغييرات مهمة في زراعة المحاصيل وبناء سلاسل قيمة ولوجستيات محسّنة لما هو مقدر أن يكون القطاع الاقتصادي الابتدائي للبلاد. فالزراعة توظف أكثر من نصف القوة العاملة، وهي المصدر الرئيسي للدخل لحوالي 60 بالمائة من الأسر.

وحتى في وقت السلم، ستواجه اليمن تحديات كبيرة، إذ أن 4 بالمائة فقط من أراضيها صالحة للزراعة، ومصادر المياه فيها محدودة بشكل كبير. لكن يمكن بل ويجب تمكين شعبها من بناء نظام غذائي قابل للحياة وأكثر استدامة. ويتطلب تحقيق ذلك نهجاً متزامناً يتمثل في تقديم المساعدات الانسانية وإطلاق مبادرات بناء الصمود في نفس الوقت.

لا وقت لدينا لنضيعه، فالبديل قاتم وينذر، بإشعال المزيد من النزاعات في المستقبل، فليس هناك سلام دون أمن غذائي.