مخيم البقعة: مواطنون تنهشهم الفاقة رغم خروج منطقتهم من جيوب الفقر

بين أزقة نازفة بمياه الصرف الصحي، وبيوت مهلهلة تضيق بساكنيها، وطرقات ملأى بالحفر والعثرات التي تُشبه قدر عابريها، يقطنُ أهالي مخيم البقعة النازحون.
وسط لجة المخيم، وشقاوة أطفاله، ودواجنه التي تحوم بين المارّة، وتحت صفائح الزينكو والألواح الخشبية المثبتة بإطارات ماسحة وحجارة، يقطن الأربعيني سفيان الورّاقي.
سفيان الوراقي أب لـ 6 أولاد، يعمل الآن، بعد أن اعتزل جمع الخردة التي أصبح يباع الكيلو منها بخمسة قروش، في جمع بقايا الخبز الناشف ليبيع "شوالها" بدينارين.
سفيان، الذي يشكو قلة الحيلة، يعاني من دسك وآلام في ساقيه تحد من حركته، مساعدات مادية وعينيه تأتيه من جمعيات خيرية لا تكفي ضنك المعيشة في أغلى العواصم العربية، يستأجر سفيان بيته الذي يسمى بـ"البراكية" بـ 150 دينارا سنوياً، ويدفع 20 دينارا شهرياً بدل خدمات ماء وكهرباء إلى جاره.
بجوار سفيان، هنالك عبدلله قاسم، الذي نظر إلى عدسة  بعين واحدة أصبح يرافق عكازتيه ليسير اليوم برجل واحدة بعد أن بترت ساقه قبل شهرين؛ نسبة عجزه %75 يستأجر منزلاً بـ 120 دينارا شهريا، يعجز عن دفع إيجاره ليطرد إلى آخر، وليبقى على هذا الحال المرير عاما بعد عام، عبدالله الذي حرم من معونة التنمية الإجتماعية لعدم تقديمه تقريرا طبياً يفسر حالته الصحية، يشكو قلة الحيلة وصعوبة الحال.
ويشهد مخيم البقعة حركة تجارية نشطة بفضل إصرار أبنائه على العيش بحياة كريمة تعوضهم عن ما شهدوه من قسوة اللجوء الذي ألم بهم قبل تسعة وستين عاما.
سوق الخميس الذي يعج بمرتاديه، ومنهم أطفال، يشهد هو الآخر حركة تجارية تناسب ذوي الدخل المتدني يبتاع رواده سلعا ليست كتلك السلع التي يأخذك التفكير إليها وإنما مهملات المنازل الكبيرة بجانب "الحاويات".
أحمد زايد، صاحب إحدى بسطات سوق الخميس وهي على غرار قسم العناية الشخصية في أحد المولات الكبيرة، أحمد لم يشأ لعدسة  أن تلتقط صورة له الا أن سلع البسطة أكبر دليل على حالته التعسة.
بسطة أحمد لا يتجاوز عرضها المتر المربع الواحد، يبيع فيها أحمد مواد عناية شخصية وتجميلية مستخدمة لا ندري إن كانت منتهية الصلاحية أو صالحة للاستخدام ثانية.
بسطة أحمد لا تحتوي أكثر من نظارة بلا عدسات ومغسلة مهترئة وأباريق حافظة بلا أغطية ودمى ممزقة وأحذية ليست مماثلة وكتب لا تجد من يجيد قراءتها.
نظارة بلا عدسات، لعل من يشتريها ببضعة قروش يرى من خلالها رؤية حقيقية للمستقبل، كما هو دون تغيير للألوان أو تغيير للحال.
يقول أحمد إن البسطة لم تتجاوز مبيعاتها الخمسة عشر دينارا في الأسبوع إلا أنه يكتفي بقول "مستورة والحمد لله".
وأقرت الحكومة في التاسع من شهر شباط (فبراير) الماضي جملة من قرارات رفع الضرائب على سلع وخدمات، أثرت بحسب خبراء على الطبقتين المتوسطة والفقيرة بشكل كبير.
الخبير الاقتصادي مفلح عقل، طالب الحكومة بآلية نظام ضريبي أكثر عدالة بين الطبقات المجتمعية، مؤكدا أن الأعباء الضريبية الأخيرة أثرت بشكل مباشر على الطبقتين المتوسطة والفقيرة، مشيراً إلى تراجع ملحوظ في نسبة الطبقة المتوسطة والتي تشكل الأمان المجتمعي.
ووفقاً لتصريح سابق لمدير دائرة الإحصاءات العامة د.قاسم الزعبي فإنّ الدائرة تحضر للبدء بـ"مسح دخل ونفقات الأسر للعام الحالي" بالتعاون مع مؤسسات وجهات دولية من بينها البنك الدولي.
وبحسب الزعبي؛ فإن تنفيذ المسح الجديد سيبنى على منهجية جديدة من شأنها أن تسهل عملية جمع معلومات وبيانات الأسر التي تدخل في عينات المسح سواء على موظفي الدائرة أو الأسر التي تدخل في العينة.
وقال "أرقام الفقر التي سيتم الاعلان عنها من الدائرة ستكون "ربعية" معتبرا هذا " نقلة نوعية" في حسابات الفقر في المملكة، والتي سيكون لها تأثير إيجابي في سياسات محاربة الظاهرة.
وتكاد تصل نسب الفقر إلى أعلى من المعدلات السابقة لولا المساعدات المقدمة من قبل الحكومة وتدخل صندوق المعونة الوطنية والجمعيات الخيرية.
وتقدم جمعية المركز الإسلامي الخيرية مساعدات نقدية وعينية للأسر الفقيرة والأيتام في كافة مناطق المملكة وبقيمة تقدر بحوالي 25 إلى 30 مليون دينار، وتنال البقعة ما قيمته مليوناً، بحسب مدير فرع الجمعية في البقعة مصطفى العواد.
وقال مدير مديرية برامج التنمية المحلية وتعزيز الإنتاجية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي محمد العضايلة إن لواء عين الباشا، والذي يتبعه مخيم البقعة، إدارياً خرج من ضمن تصنيفات جيوب الفقر وفقا لتقارير سابقة، حيث اعتبرت من المناطق ذات الخصوصية التنموية بحاجة لتدخلات تنموية، مشيرا إلى أنها تعامل معاملة مناطق جيوب الفقر.
وأشار العضايلة،، إلى الدور الذي تقوم به وزارة التخطيط بخصوص تنمية المشاريع في البقعة ومناطق جيوب الفقر، إذ تخصص الوزارة ما قيمته 100 مليون دينار لتأهيل مشاكل الأسر الفقيرة في مناطق جيوب الفقر والمخيمات.
وأضاف العضايلة انه تم تخصيص نحو مليون دينار للبقعة من إجمالي المخصصات توزع على الأسر الفقيرة والمشاريع التنموية بالتعاون مع دائرة الشؤون الفلسطينية، بحسب دراسات ومشروحات مقدمة من لجنة الدائرة.
وأوضح العضايلة أن تدخلات وزارة التخطيط تأتي ضمن برامج لتعزيز الإنتاجية، كبرنامج إرادة والتمويل الإقراضي وبرامج لدعم البيئة الشبابية المنتجة.
وقال النائب مصطفى ياغي،  إن مخيم البقعة ما زال بحاجة للعديد من المشاريع التنموية التشغيلية، التي من شأنها تقليص نسب البطالة في المخيم.
وأشاد النائب ياغي بالمبادرات الملكية لدعم مناطق جيوب الفقر أحدها المركز التنموي الشامل بقاعته متعددة الأغراض ومبنى الجمعيات الخيرية وحديقة الأطفال التي ما تزال حيز التنفيذ.
ويعاني مخيم البقعة من كثافة سكانية اذ تبلغ أعداد قاطنيه ما بين 140 إلى 150 ألف نسمة.
ربما خرج لواء عين الباشا من قائمة جيوب الفقر، لكن الوراقي وقاسم وأحمد مازال الفقر والعوز ينهشهم حتى اللحظة.