التكنولوجيا وتخفيض تكلفة انتاج الصلب
رغم أنه اشتهر بتطويره طريقة لإنتاج الصلب بتكلفة قليلة من خلال الآلات، كان هنري بسمر مخترعاً بريطانياً غزير الإنتاج.
فخلال الخمسينيات من القرن ما قبل الماضي، في شيفيلد تحديداً، ضخت محولاته الهواء عبر الحديد المنصهر لحرق الشوائب، جاعلاً من الفولاذ المادة الرئيسية التي قادت الثورة الصناعية.
ولكن بسمر كان يعلم أنه يستطيع أن يؤدي بشكل أفضل، الأمر الذي قاده في العام 1865 إلى تقديم براءة اختراع تمثلت في نشر قطع صغيرة وخفيفة من الصُّلب مباشرةً، بدلاً من القوالب الكبيرة التي كانت آنذاك باهظة تكلفة إعادة التسخين على يد الآلات المستديرة العملاقة.
وبرزت فكرة بسمر في صب الفولاذ المنصهر بين اسطوانتين مبردتين، مثل آلة تجفيف الملابس القديمة المزودة باسطوانتين، واللتين يمكنهما ضغط المعدن إلى شكل يشبه شكل الورقة.
وقد كانت فكرة أنيقة بواقع الحال، لاسيما وأن خطوات تنفيذها قليلة، الأمر الذي يجعلها توفر الوقت والجهد والمال.
لكنها، مع ذلك، كانت صعبة التطبيق على نطاق واسع، وقد تم التخلي عن الجهود الرامية لتسويقها إعلامياً تبعاً لذلك.
وحتى وقتنا الراهن، يعني التقدم الذي تم إحرازه على صعيد التكنولوجيا والمواد العلمية، خاصة ذلك الذي يتعلق بالأنواع الجديد من تكنولوجيا إنتاج الصُّلب، أن فكرة "الاسطوانتين" الخاصة قد أخذ بها مؤخراً بنجاح.
وتمت أيضاً تجربة نظام بديل يضع الصُلب المسال مباشرةً على حزام أفقي متحرك. وفي الواقع، يمكن لكلتا الطريقتين أن تخفضان استهلاك الطاقة -إحدى أكبر تكاليف صناعة الفولاذ- بنحو 80 %.
والإمكانية متاحة الآن أيضاً لتحقيق المزيد من الوفورات في التكاليف التشغيلية والرأسمالية.
ففي حال أثبتت هذه العمليات الجديدة نفسها، يمكن لصناعة الصُّلب أن تتحول مرة أخرى.
في طريق النجاح
ما يزال صُناع الصُّلب حذرين إزاء التكنولوجيات الجديدة.
فلم يكن حتى ستينيات القرن الماضي أن غامرت الصناعة من قوالب الصب إلى بناء مصانع عملاقة متكاملة لمواصلة صب وإنتاج الصُّلب.
وينطوي ذلك على صب المعدن المصهور عبر قالبٍ لا قعر له تعرض للمياه الباردة، حتى يتصلب جزئياً.
ومن ثم يتم نقل الصُّلب عبر سلسلة من الاسطوانات والقوالب ليتخذ شكلاً منبسطاً أو أي شكل يطلبه المصنع وشركات الإنشاء.
وتنتج معظم الأطنان الـ1.6 مليار من الصُّلب سنوياً على مستوى العالم عبر هذه الطريقة.
ومع ذلك، ما يزال الصب المتواصل يحتاج إلى الكثير من القولبة والعمليات الأخرى لتخفيض سماكة ألواح الصُّلب التي تتراوح سماكتها بين 80 و120 ميلليمترا إلى 1 أو 2 ميلليمتر التي يطلبها المنتجون، مثل منتجي السيارات على سبيل المثال. ويمكن لتخفيض السماكة أكثر من ذلك أن تتسبب بمشاكل في الجودة وعيوب مجهرية في الصُّلب.
ويعود أحد أسباب ذلك إلى ضرورة التأكد من أن الصُّلب لا يلتصق بالقالب مفتوح الجهتين.
وتعد التقنتان الجديدتان "الأسطوانتان وحزام الصب المتحرك"، فعلياً، "قوالب متحركة" -بحيث تنقل الاسطوانات والحزام الصُّلب بينما يتم تبريده ليتصلب شيئاً فشيئاً.
وهذا يتيح تحويله مباشرةً إلى سُمكٍ لا يتعدى ميلليمترات قليلة، حتى يتطلب إثر ذلك القليل القليل من القولبة.
وتعد التقنيات الجديدة جيدة بشكل خاص في استحداث فولاذ عصري خاص ذي قيمة أعلى، وفقاً لكلير ديفيز، خبيرة الفولاذ التي تعمل مع مجموعة "وارويك" للتصنيع في جامعة وارويك البريطانية.
وتعمل السيدة ديفيز وفريقها حالياً على تطوير صُلب عالي التقنية بشكل خاص من أجل استخدامه على الأحزمة المتحركة، بما في ذلك الصُّلب منخفض الكثافة الأقوى والأخف والأكثر مرونة من الصُّلب التقليدي.
ويتم استخدام عملية "الاسطوانتين المتماثلتين"، كتلك التي تصورها بسمر، فعلياً في مصانع "نوكور" -عملاقة صناعة الصُّلب الأميركية. وتنتج الشركة الصلب في اثنين من مصانعها.
وتبرز إحدى أبرز مزايا عملتي "الاسطوانتين المتماثلتين" و"أحزمة الصب والقولبة" في إمكانية التراص واستغلال مساحات أقل بحيث تقول "نوكور" أن مصنع إنتاج الصلب يحتاج 20 هكتاراً فقط، بينما يمكنه أن يوفر عوائد استثمارية جيدة من خلال إنتاج 500 ألف طن فقط من الصُّلب في العام الواحد.
في حين أن مصنع إنتاج الصلب التقليدي يحتمل أن يمتد على 2.000 هكتار ويحتاج إلى إنتاج 4 ملايين طن من الصلب سنوياً لتحقيق الأرباح، على سبيل المقارنة.
بطبيعة الحال، يمكن أن تنتهي مثل هذه التقنيات إلى أن تصبح تكميلية، كما وستتيح كفاءتها المكانية وتكلفتها المنخفضة للإنتاج أن يسرى في مكان أقرب من العملاء.
ويعتقد رودريك غوثري من جامعة "ماكجيل" في كندا، أنه ليس من المستبعد لمثل هذه المصانع أن تدمج في مصانع السيارات، موضحاً أنه: "في حال تمكنا من الخروج بالنوعية الجيدة كتلك التي نجدها في مصانع الصُّلب الحديثة، فسوف يغير ذلك وجه صناعة الصُّلب بأكملها".
وربما تنفخ التكنولوجيات الحديثة الهواء في هذه الصناعة القديمة، تماماً كما فعلت رؤيا بسمر قبل الـ150 عاماً الماضية.