نواب حارتنا

قبل ان يصبح سعادته نائبًا .. كانت ابتسامته أكبر من سحنة وجهه، ومضافة منزله مفتوحة صبح مساء، بقهوتها وأراجيلها وخدمها وحشمها، لاستقبال "اﻻصوات" الانتخابية ، ومشرعة لسكان حينا .. 

كنا نراه في كل فرح ٍ وترح ٍ.. باكيًا هنا، ضاحكًا هناك، متوددًا لكل "ابناء الدائرة" الذين يعرفهم والذين ﻻ يعرفهم، ويرد على اتصالك عليه من النغمة الوطنية اﻻولى التي تهز خواصر هاتفه ..

قبل أن يصبح سعادته نائبًا .. كان يصلي فروضه الخمسة متمترسًا خلف إمام مسجد حينا تمامًا، ليضمن أكبر قدر من الحسنات، والمشاهدات .. وينكبّ على تلاوة القرآن حالما يفرغ من صلاته، تكاد عيناه تفيضان من الدمع .. متبرعًا كل جمعة بأباريق ومكيفات وسجاد و"كوﻻرات"، حرص أن يكتب عليها (الفاتحة) عن روح المرحومة امه !.

قبل لقب السعادة .. كانت "السعادة" دوما بادية على وجهه رغم قبحه .. يتنطح في كل مناسبة وغير مناسبة، لالقاء خطب عصماء يكتبها له إمام مسجد حينا البليغ ذاته، منتقدًا الحكومات والبرلمانات التي أنهكت المواطنين وأفرغت جيوبهم .. شاتمًا اياهم بأقذع اﻻوصاف، فاتحاً نيران لسانه السليط على كل الفاسدين في الوطن، خاتمًا ترهاته بشماعة الساسة اﻻزلية، بالدعاء لفلسطين وأهلها وقدسها، وﻻعنًا عرض الصهاينة ..

قبل مصيبة انتخابه، كان نائبنا يلف على أرامل حينا، ومتعايسه، بيتًا بيتًا، في وضح النهار .. ويطوف على جمعيات الحارة وأنديتها، دافعًا هنا، متبرعًا هناك، مغدقًا اﻻف الدنانير على من يرتجي منهم صوتا انتخابيًا، يكفل تحويله من شخص فارغ الى .. نائب.

بعد انتخابه .. وتحويل لوحة مركبته الفارهة للون اﻻحمر، تغّير سعادته 180 درجة ..ﻻ اراه الله سعادة.

غير صبيحة انتخابه رقم هاتفه كخطوة تكتيكية استباقية أولية لسياسة التملص..

ﻻحقًا .. غير مسكنه، كي ﻻ نتمكن من لقياه مهما حاولنا .. ولم نعد نراه في فرح ٍ وﻻ ترح ٍ .. واذا ما صادفت سعادته عابرًا مسرعا كالريح يغبّ بمركبته الفارهة شوارع حينا.. تلمح كشرة على وجهه كفيلة بقتل ضبع مفترس .. واﻻبتسامة المعهودة المصطنعة إذ بها خبت وتلاشت ..

فور حمله لقب "سعادة" .. صار بطلنا يتراكض خلف رئيس الحكومة الذي كان يشبعنا به ردحًا وقدحًا، كولد شقي أبله، ليلتقط معه صورة ؟!

صار سعادة نائبنا المناضل الفاضل ينظم بفضائل دولته قصائد شعر ﻻ أعذب، وﻻ أكذب ..

فضحنا سعادته تحت القبة و "عزّر علينا".. فهو أول الرافعين أيديهم، وأسرعهم، من بقية اﻻخوة المناضلين المصادقين على قرارات رفع اﻻسعار علينا.

المفضوح .. نراه غافيا على مقعده شاغرًا فاهه الذي يتسع لديك حبشي، مرخيًا اعصابه وافخاذه خلال التصويت على قانون خطير يمس قوتنا ومستقبل أولادنا .. "يشخر" ونحن بصدد الجلوس على خازوق جديد من خوازيق الحكومة.

أخينا.. فصّل ختمًا جاهزًا للتوقيع على أي قرار حكومي قبل أن يقرأه .. حتى وإن قرأه لن يفهم منه شيئاً، ولن يرد عليه أو يناقشه.. فامام مسجدنا الذي اعتاد كتابة خطبه العصماء، قد استنكف وتوقف، وحرد عنه وأحرن، بعد أن تخلى عنه سعادته، الذي اكتشفنا انه قطع له وعدًا وأخلفه، بان يعمل على تعيينه وزيرا للاوقاف حالما يصير نائبًا !؟.