حك لي بحك لك

لا ادري عن الدنيا كيف تغيرت وانقلب فيها كل شيء، حتى المصطلحات والمفاهيم والمبادئ لم تسلم من التغيير والتحريف ، طبعاً نحن السبب بهذا الشيء وليس احد غيرنا... فنحن من قام بالتعدي والتجني على هذه الحقائق والقواعد ، فأصبحنا نحلل ونحرم حسب الرغبة والمصلحة ، فمثلاً عندما يُقلب ويُغير مفهوم الرشوة ليصبح بمسماه الجديد إكرامية أو هدية تتداول بين الراشي والمرتشي، فهنا يعاني صاحب الحق والحاجة من الوصول لحاجته الشرعية إلا أن يدفع رغماً عن أنفه هذه الإكرامية أو الهدية لأصحاب الأنفس المريضة والجشعة، وإلا عطلت حاجته وذهب حقه ...
ليس هذا فحسب بل تجرأنا و تعدينا على ركائز الشريعة وقمنا بغض النظر عن تعاليمها ،فعندما نتجاهل قول الله تعالى : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ونمحوه من قاموس حياتنا ونستبدله بقاعدة حك لي بحك لك ، وتصبح هذه القاعدة هي العملة المتداولة والسارية بين البشر في كل التعاملات والمعاملات و المناسبات والزيارات وحتى في رد السلام (يعني اللي مصلحة عندك بسلم عليك ، وإذا ما اللي مصلحة عندك بطّنشك )...
فأين نحن من قصة الحمامة والنملة التي درسناها في المرحلة الابتدائية ، عندما قامت الحمامة بمساعدة النملة من الغرق بالنهر دون أن تعرفها... وبعدها تمر الأيام لترد النملة ذاك الجميل للحمامة التي كادت أن تكون ضحية الصياد حيث قامت النمل بعض إصبع الصياد فيصرخ من الألم لتهرب الحمامة ..وهذا كله كان بطريق الصدفة وليس مشروطاً برد الجميل ولا يراد بذلك شُهرة أو سُمعة...
فمن جلس مع كبار السن والأجيال السابقة وسمع كلامهم عن فزعات الحصيدة وبناء البيوت ودهانها بالشيد كيف كان جميع رجال القرية يتعاونون فيها ، وكذا فزعات النساء في غسيل الصوف وطحن البذور (وغربلتها) ..ولا يشترطوا على بعض بسداد الأعمال ولا حتى بالمديح...فمن يسمع كلام الآباء والأجداد يبكي و يترحم على تلك الأيام التي تخلو من المصالح ولم يُعرف فيها مثل هذه القواعد (حك لي ، بحك لك ) والتي وصلت حتى بين الإخوان، إلا ما رحم ربي...