ما سرّ الفساد في الأردن؟

 

جراءة نيوز - عمان : أكد رئيس الوزراء فايز الطراونة، التزامه بمكافحة الفساد، لكن حملة الحكومة الجديدة، وهي الحكومة الرابعة منذ وصول أحداث الربيع العربي للأردن، لمكافحة الرشاوى والواسطة تواجه الشكوك حول إمكانية تقدمها بمكافحة الفساد، وفق ما أوردته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية.

العنصر الأساسي بالحملة على الفساد في الأردن كانت عبر اعتقال سياسيين بارزين كان لا يمكن المساس بهم في وقت سابق. ففي كانون الأول (ديسمبر) الماضي تم اعتقال أمين عمان السابق عمر المعاني بتهمة "الاحتيال" وتم الإفراج عنه بكفالة بعد ذلك بأربعة أسابيع. وفي شباط (فبراير) الماضي تم اعتقال مدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي بتهمة "غسيل الأموال".

لكن اعتقال الذهبي أثار استغراب البعض، حسبما ذكرت دورية "فورين بوليسي" الأميركية. فالدكتور عبد الرزاق بني هاني الخبير الاقتصادي الذي شغل منصب نائب رئيس هيئة مكافحة الفساد في الأردن اعتبارا من تشرين الأول (أكتوبر) 2010 إلى حين استقالته في كانون الثاني (يناير) 2012 احتجاجا على "عدم احترافية" تلك اللجنة، يعتبر واحدا من عدة برلمانيين وأكاديميين وحكوميين سابقين قاموا بشكل سري وعلني بالتشكيك بأسس القضية المرفوعة ضد الذهبي، واصفا إياها"بالقضية المسيسة للغاية".

وقد شكك بني هاني في توقيت المحاكمة وأسباب رفض تكفيل الذهبي 11 مرة على الرغم من أن القضايا المزعومة ضده وقعت منذ عدة سنوات ولم يلق القبض عليه سوى هذا العام. علما بأنه تم تجميد أرصدة الذهبي ومنعه من السفر للخارج.

وفي مؤتمر صحفي عقده في نيسان (ابريل) الماضي أصر محامي الذهبي البريطاني على عدم وجود أي دليل ضد موكله، وبالتالي لا يوجد سبب لمكوثه خلف القضبان. ويرى بني هاني أن اعتقال الذهبي نتج عن "منافسة حظيت بتغطية إعلامية بين الذهبي وشقيقه نادر، رئيس الوزراء السابق، وباسم عوض الله رئيس الديوان الملكي".

في الواقع أن ما بدأ بانتقادات هادئة لقضايا الفساد في الأردن تحول إلى نوع من الجدل الشعبي حول من هو المستهدف بتحقيقات مكافحة الفساد ولماذا؟ ويرى العديد من المراقبين أن السبب في هذا يعود لغياب التحقيقات المستقلة والمهنية في الكثير من الحالات..

لو عدنا للوراء قليلا وألقينا نظرة أكثر شمولية سنجد بأن الأردن، وفق "فورين بوليسي"، أحرز بالفعل تقدما نحو مكافحة الفساد. ففي عام 2005 أنشئت لجنة مكافحة الفساد وهي هيئة مستقلة تقود حملة وطنية لمكافحة الفساد في الأردن. وفي عام 2011 قامت الأردن بخطوة إيجابية أخرى من خلال إجراء تعديل دستوري قام بتحويل الفصل في قضايا الفساد للمحاكم المدنية بدلا من المحاكم العسكرية وأمن الدولة.

ومع ذلك، كثيرا ما كان مجلس النواب الأردني يسبق المحاكم ويقوم بإجراء التحقيقات من تلقاء نفسه. وفي كثير من الأحيان كان مجلس النواب يخلص إلى عدم وجود أدلة كافية للمضي بالقضية، ومن ثم تبرئة المتهم قبل التمكن من محاكمته محاكمة مناسبة.

فعلى سبيل المثال في 23 نيسان (أبريل) الماضي صوت مجلس النواب على التخلي عن التحقيق في القضية المثيرة للجدل الخاصة بالمحكوم خالد شاهين، رجل الأعمال الثري، والذي حصل على تصريح من الحكومة لمغادرة السجن والسفر للخارج على أساس ظاهري أنه لغايات تلقي الرعاية الطبية، لكنه أثار غضب الأردنيين عندما شوهد يتناول الطعام في أحد مطاعم لندن الفاخرة. وعقب التصويت أعلن أحد النواب بأن المجلس في حد ذاته يعرقل سير العدالة من خلال عدم السماح باستكمال التحقيق في القضية.

وتمضي فورين بوليسي بقولها: يواجه الديوان الملكي الأردني اتهامات "بشأن تدخل عدد من مستشاري الملك لرفض بعض القضايا"، في الشهر الماضي ألقي القبض على الصحفي جمال المحتسب الناشر لموقع "جراسا" الإخباري بتهمة "نشر آراء معادية للنظام"، حيث قام الموقع بنشر مقال ذكر فيه أحد النواب أن الديوان الملكي "تدخل لإيقاف التحقيقات البرلمانية بشأن الفساد والتي تخص وزير إسكان سابقا".

من جهته، قام الكاتب الصحفي ماهر أبو طير، بكتابة الكثير عن الفساد في الأردن، لكنه يحذر من أن بعض الأفراد الذين يوجهون أصابع الاتهام للديوان الملكي يفعلون هذا لأجندات سياسية خاصة بهم. ومع هذا فقد أشار أبو طير لوجود نمط مقلق يخص قضايا الفساد الأخيرة، فكثير من الأفراد الذين اتهموا وتركوا لمواجهة القضاء أو عقوبة السجن "لم يكونوا في الغالب ينتمون لعائلات كبيرة تشكل أساس هيكل السلطة السياسية في الأردن".

بصرف النظر عن مشروعية تدخلات مستشاري الملك، فإنه من الواضح بعد جوقة الانتقادات المتزايدة خصوصا من أشخاص مقربين من الملك، أن الثقة بحملة مكافحة الفساد في الأردن تتعرض للتآكل. هذا الأمر لا يقوض الجهود الرامية لمحاربة الفساد فحسب، ولكنه أيضا يعيق قدرة الحكومة على الاستجابة لمطالب الشعب الأردني للإصلاح. في وقت تحول التشكيلات السياسية في الأردن والمنطقة ككل فإن مثل هذه الانتقادات إذا تركت دون علاج فإنها ستتضخم لتشكل تهديدا خطيرا للاستقرار في الأردن.

وتمضي الـ"فورين بوليسي" بطرح تساؤل: هل سيعمل رئيس الحكومة الطراونة على استغلال فرصة التغيير الحكومي من أجل استعادة ثقة الشعب بحملة مكافحة الفساد؟ وفي إشارة للانتقادات التي تعرضت لها الحملة استخدم الملك عبد الله الثاني رسالة تكليف الطراونة للتأكيد أن "القضاء العادل والنزيه هو الطرف الوحيد صاحب الكلمة النهائية لحالات الفساد المشتبه بها".
غير أن أبو طير يعتبر من بين المتشائمين؛ حيث يتوقع بأن حكومة الطراونة ستركز جهودها على القانون الانتخابي والوضع الاقتصادي للأردن ولن تلتفت للمخاوف الناشئة حول كيفية التعامل مع قضايا الفساد. ويقول أبو طير بحسرة "إن الفساد يعتبر مشكلة راسخة في الأردن ولا يمكن حلها، لكن الفساد والمفاهيم العامة له يتشابكان مع جميع جوانب عمل الحكومة. لكن الرأي القائل بأن الفساد مشكلة بلا حل لا يمكن أن يستمر طويلا".