أيها الملاذ .. تحية لك …
عندما تكفهرّ الدنيا في وجه طفل ما، وتتضافر ظروف يُتْمٍ وإعاقةٍ لجعل حياته قاسية، وكما لو أنها غير ممكنة، إلا بعد عون الله، بعون الأخيار من بني البشر، ودعمهم له، والتربيت على كتفه بقصد التخفيف من آلامه، وحضه على خوض غمار العمر رغم ما حاق به، وما كان نصيبه منه خلافاً لمعظم أهل الأرض. وعندما يكون كل ما تقدم واحداً من الناس، وخصوصاً إذا كان هذا الواحد طفلاً لا حول له ولا قوة، ضعيفاً مهيض الجناح، الشفقة عليه، هي، بصراحة، أول شعور ينتاب الواحد منا عندما يقابله، ثم تفجعنا الأخبار أن بعض من هم في أوضاع وظروف مماثلة لما تقدم، تعرضوا ويتعرضون في دور رعايتهم، أي المكان الذي من المفروض أن يكون الأكثر أمناً ودفئاً لهم، إلى سوء معاملة، واعتداءات، ووحشية، قد ترتقي في بعض الحالات التي جرى رصدها من صحافية شجاعة بطلة، إلى مستوى الجريمة الممنهجة، فعلى الدنيا السلام، ويحق لأكثر الناس تفاؤلاً أن يصل أبواب اليأس، وربما، يلج منها لما تُعاف الحياة بعده، ويكفهر الظلام، وتسودّ الدنيا، وتنهزم القيم الكبرى، تلك القيم التي ناضل أعلام الإنسانية ورجالها العظام لتحقيقها وتكريسها، والتي شكلت الهاجس الأهم للفنون جميعها؛ المسرح والسينما والدراما التلفزيونية واللوحة التشكيلية والمعزوفة الموسيقية، والآداب جميعها؛ الشعر والقصة والرواية والنص المسرحي، وشغلت بال الفلاسفة، ودأبوا يحفرون في معانيها، ويستجلون ممكناتها، ليخلصوا بعد كدٍّ وبحثٍ وقراءةٍ معمقةٍ لمفردات الكون ونواميس الوجود، لنظريات تتقاطع معها، وتحض عليها، وتعلي من شأنها.
هذه القيم، الكبرى، هي التي، على كل حال، جعلت قائداً كريماً فذاً، إنساناً إلى أبعد الحدود، من طراز قائد الوطن، أطال الله في عمره، وأبقاه لنا ذخراً وملاذاً وبر أمان، يتحرك دون تردد، ولا مراسم، وبعيداً عن البيروقراطية الممضة، ليرى بعين قلبه العامر بالحب والحدب والحنان، حقيقة ما جرى ويجري بحق أكثر الناس حاجة للترفق والرفق والرقة والشفافية ومخافة الله عند التعامل معهم. رد فعل جلالة الملك كان واضحاً جلياً لا لبس فيه، فقد غضب جلالته، نعم غضب، وأنا أنصح هؤلاء المسيئين وغيرهم أن يحذروا غضب الحليم الكريم، لأن غضبه لم يأت من فراغ، ولم يحدث إلا بعد استنفاذ السبل الودية الأخرى. وكما لو أن لسان حاله يقول: طفح الكيل، وفعلاً فإنه، وبما يتعلق بأشخاص يحتاجون رحمتنا ورأفتنا، لنصفع بعد ذلك كل حاجتهم تلك، ونخذل إيمانهم بالحياة، ورضاهم بما قسمه الله لهم من هذه الدنيا الفانية، قد طفح وزاد والعاقبة على من أساء.