إنما للصبر حدود

لدينا من مفارقات تشكيل الحكومات ورحيلها القصص المثيرة ربما بما يفوق معظم دول العالم من توريث المناصب لذوي الجينات الخاصة إلى حكومات عاشت أياما فقط مرورا ببعض الوزراء الذين شاركوا في 14 وزارة إلى بعضهم ممن لم يستمر في المنصب الّا أياما وغير ذلك الكثير مما قد يذكر لكن يبقى خطاب المسؤول الأردني من أهمها الذي ما زال يجلدنا بأسلوب افهموا مني و خذوا عني ولم يصل معنا بعد إلى أسلوب "الآن فهمتكم".
تبقى طلة المسؤول في بلدنا على شاشة تلفازنا الحكومي الذي ندفع ضريبته منذ عقود تثير الإهتمام فأنا مثلا ألزم نفسي الجلوس للمشاهدة بحسب ما تسمح به رفاهية الوقت -وهي نادرة هذه الأيام- لكن لا يقع ذلك للفائدة أو الاستماع لما سوف يتحفنا به أو يسوقه علينا بقدر ما يكون ذلك لتمييز محاولاته البائسة في الاقناع وهو يلقي علينا دروسا في الوطنية أو توهم النرجسية أنه قادر على تمرير غرائب الأمور مثل أن الغلاء والضرائب هي لصالحنا وأن شد الحزام والترشيد هي واجبنا وعلينا أن نتقبل ذلك بطيب خاطر فالمسؤول عليه التوجيه وبدورنا علينا السمع والطاعة.
ما يثير الفضول أكثر أن المنصب الوزاري في بلدنا ما زال برّاقا يسعى اليه الكثيرون على الرغم مما قد يلصق به اليوم من تهم الفساد والاستغلال وعلى الرغم من أن صحبة الكرسي قد لا تستمر لشهور أو حتى أيام لكن لا يخفى أيضا أن هناك مكاسب كثيرة معنوية ومادية تفوق ما هو معلن.
دلالة ما أقول أنه عندما أعلن أحد الرؤساء يوما أنه سيتشاور مع مجلس النواب في تشكيل الحكومة وصلت مئات السير الذاتية الى المجلس للتوسط لهم للاستوزار وقد طرحت وقتها فكرة أن تختار الوزارة عن طريق الإعلان متضمن الشروط.
متى نصل إلى يوم يأتي فيه أحدهم إلى المنصب الوزاري سواء كان برتبة رئيس أو وزير وهو يحمل مشروعه الخاص بل وشروطه لشغل المنصب ويتمسك بحريته في عمله وممارسة ولايته دون أن يستسلم لشكليات وبريق المنصب والكرسي؟!
أذكر أنه في أواخر الثمانينات تشكلت حكومة جديدة في مصر فقام أحد الكتاب الساخرين بتهنئة الوزراء الجدد على الخازوق الذي جلسوا عليه-هكذا- وبعدها يخطب الرئيس الأسبق مبارك آنذاك فيهاجم الكاتب بعنف حيث يذكر ما معناه "ما صدقنا نلاقي ناس تقبل بتحمل المسئولية يجي أحدهم فيهنئم بالخازوق".
من المفارقات أيضا التي قرأتها أن تم توجيه اللوم لأحد وزاء النقل في مصر لعدم إكمال أحد المشروعات مع الأردن فرد: ماذا افعل لقد تفاوضت مع خمسة من وزراء النقل الأردنيين حتى اللحظة!.
يعني هل يمكن أن نصل إلى مثل هذا الموقف ونجد أشخاصا لا يهربون من تولي المسئولية لكنهم لا يرضون بأن يكونوا فقط تكملة المشهد؟.
هل ما زال المواطن الأردني لديه القدرة على التحمل؟ وهل يظن المسئول لدينا أنه ما زال يحظى بثقة المواطن وقادر على تسويق الأوهام؟.
يبدو أن المواطن الأردني عليه أن يتمثل صبر النبي أيوب حيث يقال أن هذا النبي الكريم عاش في بلادنا لكنّي أخشى أن الكيل على وشك أن يطفح وكما يقال إنما للصبر حدود.