البحث عن اللاشي
أن يجهل الإنسان ماذا يريد، وما الذي يسعده، يعني أن يظل طول حياته في بحث مستمر عن شيء مفقود لم يعثر عليه بعد.. يقضي العمر وهو في حالة لهاث مستمر وراء هذا الحلم وحينما يحصل عليه يبدأ في البحث عن غيره، على رأي المثل:» الحرّعبد إذا طمع والعبد حرّإذا قنع»..قد يقول قائل أن هذا الإنسان لا يملك حسّ القناعة ولا ميزة الإكتفاء، يظل في حالة جوع دائم لكل شيء، رافضاً نصيبه من الحياة متطلعاً نحو التغييرالدائم على أساس أن «القنوع أحلامه خفيفة»..
منذ الطفولة تنمو لدينا غريزة الإقتناء، وتتطور لتصبح حب الامتلاك، نسعى لإمتلاك أشيائنا والإستيلاء على أشياء غيرنا كي نرضى ولو مؤقتاً، ونعود للبحث عن جديد لإمتلاكه فنحقق بعضاً من رضا.. وإذا استعرضنا ممتلكاتنا نجدها أكثر بكثير من حاجتنا، كل ذلك لإرضاء غريزة الإمتلاك النهمة التي لا تشبع..
لكل منا هوسه في الحاجيات، منا من يعشق السيارات فيقتني الأفخم، وآخر يهتم بالبيوت الجميلة أو بتغيير الأثاث، اوبالسفر، اوباللباس الأنيق الموقّع، او باقتناء العطور والمجوهرات، الخ.. مباهج الحياة كثيرة ومغرياتها أكثر، وهذا يتطلب مالاً وفيراً بحيث أصبح المال هدف الكل وحلمهم..وفي أزمنة الفوضى وانعدام القناعة وغياب القيم وانتشار الفساد بأنواعه واستسهال الحرام، جرى المال وفيراً في أيدي البعض على حساب شرائح كثيرة من مجتمعات ينخرها الفقر, والقلّة، والإشتهاء، ولا ينالون من مباهج الدنيا إلا لقمة مغموسة بالشقاء..ونقمة على مظاهر ترفيهية تعرضها الشاشات الصغيرة دون مراعاة لشعور الأغلبية المحرومة، وصرخات بضرورة الإصلاح تخرج من هنا وهناك علّها تضبط هذا الفلتان الذي قسم المجتمع إلى محروم ومتخوم، عّلها تعاقب المفسدين وتعيد المسروقات إلى خزينة الدولة للتقليل من الدين العام الذي تعدى الملايين إلى المليارات..
عندما ينعدم حضور القضية عند الانسان سواء كانت عامة او خاصة، وتتسع جيوب البطر يبدأ في البحث عن اللا شيء وهذا ما نلاحظ انتشاره في عمليات التجميل التي يقوم بها الرجال وليس النساء ليشتغلوا في وجوههم التي ملوها بدل قضاياهم فعمدوا الى البحث عن « النيو لوك « وهذا ما حصل مع احدهم الذي قصد احد المراكز المعنية بالتجميل ليحقق حلمه بوجه جذاب يجتذب به انظار الناس وربما محبتهم
جلس امام خبيرة التجميل التي بدأت بدراسة وجهه لتنصحه بما عليه فعله، فبدأ بامتداح جمالها الآسر، خجلت، تلعثمت، ثم تمادت في نشر دلالها وأنوثتها بمطّ لغتها وأقنعته أنها كفيلة بإعادته أصغر سناً وأجمل وجهاً, وبدأت تستعرض بغنجها المفرط ماذا عليه أن يفعل ليحظى بوجه آسر لا عيب فيه، وإمتدحت صبره على تحمّل هذا الوجه كل تلك الأعوام.. بداية نصحته بإزالة شنبه الكثيف والتخفيف من حاجبيه الكثيفين بنتفهما، والعمل على رصّ أسنانه المبعثرة وتبييضها، وحشو بعض «البوتكس «في الخدّين لشّدهما ورفعهما منعاً للترهل، وزرع بعض الشعر المتساقط في مقدمة الرأس، وتغيير التسريحة القديمة طبعاً بعد صبغ الشعر بلون أكثر لمعاناً..نظرإليها منبهراً لكنه اعترض قليلاً على إزالة الشنب الذي يمثل الرجولة، فقاطعته مستنكرة تخلفّه، فما كان منه إلا أن تراجع قائلاً: هذا وجهي بين يديك افعلي به ما تشائين..دخل المختبر وهو على يقين أنه وجد أخيراً هذا اللاشيء الذي يبحث عنه..!!رضخ وجهه لوطأة المشارط والأدوات الحادة والمقصات، تحمّل الأوجاع وشدّ الكمّادات, وبذل الأموال، وانتظر الساعة المرتقبة الذي يقف فيها أمام المرآة ليرى صنيعة البشر في تحدي الخلق، وقف مشدوهاً أمام شخص آخر لا يعرفه، وجه نزعت عنه رجولته فبدا أحلس املس ناعماً، بحث عنه فلم يجده فبدأ في التعرّف على ذاته الجديدة التي لا تشبهه !! يبدو أننا أضعنا الرجال فلا تستغربوا إذا ضاعت البلاد! هزلت !
Gado46@yahoo