شاهد بالفيديو...كيف تم اغتيال الشهيد وصفي التل عام 1971
يحيي الأردنيون اليوم الذكرى الخامسة والأربعين لاستشهاد رئيس الوزراء الأسبق وصفي التل، الذي قضى من أجل الوطن، واستشهد في سبيل مبادئه الكبيرة، وفي سبيل وطنه ومصالحه العليا. مستذكرين مروءة الشهيد الكبير وتضحياته، وصفات رجل الدولة والشخصية الوطنية التي مثّلها المرحوم التل.
العدالة هدفه الأغلى
لقد اعتمد شهيدنا هيبة الدولة شعاره الأسمى، وكانت العدالة هدفه الأغلى، فلم يترك خلفه، كغيره من رجال الوطن الشرفاء، قصوراً فارهةً، ولا أبراجاً عاجيةً، ولا شركات عملاقة وأرصدة بالملايين والمليارات خارج الوطن، وإنما ترك وتركوا وطناً قوياً، عزيزاً وأجيالاً تربّت على عشق الوطن وصون منجزاته.
استشهد التل في القاهرة في مثل هذا اليوم من العام 1791، بأيد غادرة، بعد أن وصل مصر للمشاركة في اجتماع مجلس الدفاع العربي.
عالج وصفي التل قضايا حاضره بحكمة وحزم وحنكة وشجاعة وعدالة، واتزان يستشرف المستقبل، وتداعياته بدقة وبصيرة ثاقبة، وكان يعد لكل حدث محتمل عدته قبل حدوثه، كان يعتمد أسلوب الثواب والعقاب في اإدارته، بعدالة متناهية، متواضعاً لمن يستحق التواضع، حازماً وجاداً عندما يستدعي الظرف ذلك، جندياً شجاعاً محترفاً يعشق رفاق السلاح، والنضال والجهاد، ويعتز ويفاخر ببطولاتهم، كان يؤمن بالمقاومة الشريفة الصادقة، التي توجه حرابها ضد العدو المحتل، وبدولة المؤسسات والقانون، يحترم العرف العشائري الإيجابي الذي يجسد أسمى معاني الرجولة والإباء والحكمة ليستعين به في حلّ بعض القضايا، والإشكالات، ويكون رديفاً لمؤسسات الدولة وصمام الأمن والأمان لاستقرار الوطن وصون منجزاته.
وصفي دعم كفاح الشعب الفلسطيني في سبيل تحرير أرضه ووطنه
امتاز وصفي التل بإيمانه بالعمل العربي المشترك، في التصدي للأخطار التي تواجهها الأمة العربية، ودعم كفاح الشعب الفلسطيني في سبيل تحرير أرضه ووطنه. وقارئ حياة 'وصفي' يقف عند محطتين في حياته، محطة حُبه للأردن، محطة حُبّه لفلسطين، ذلك الحُب، الذي بلغ حدَّ العشق، حتى كان من الصعب أن تعرف: هل وصفي أردنيّ يحب فلسطين ويعشقها، أم هو فلسطينيّ يحب الأردن ويعشقه. فعلى صعيد حبه للأردن، الذي بلغ حدَّ العشق، يُجمع الدارسون لوصفي أنه كان ضمير الأردن والشعب الأردني، ينبضَ بنبضهما، ويحمل همومهما، ويجهد ويجتهد ليحقق بعضا من طموحاته وآماله لمصلحتهما، وعلى صعيد حبه لفلسطين يكفي أن نستذكر أنه عشقها في محضن والده، شاعر الأردن الخالد 'عرار'، مصطفى وهبي التل، الذي تفجر حبه لفلسطين، شعرا ولما يبلغ العشرين من عمره، عندما أنشد محذرا من خطر وعد بلفور لليهود، بتعهد بريطانيا بمساعدتهم على إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.
لقد ركز وصفي على القطاع الزراعي، لأنه يدرك اهمية هذا القطاع ودوره في تأمين الحياة الكريمة للمواطن الأردني، فعمل على تشجيع الزراعة البعلية والمروية في كل مكان في الأردن يمكن أن يكون منتجا، بل واستعمل صلاحياته في قانون الدفاع وطلب من الحكام الإداريين سجن كل مالك أرض زراعية لا يقوم بزراعتها.
رفض وصفي فكرة المدارس الخاصة
لقد رفض وصفي فكرة المدارس الخاصة، وترخيصها في الأردن، لأنه يعلم ما يعانيه المواطن الأردني، وأراد من المعلم الأردني أن يكون نموذجا في العطاء، بعيدا عن المغريات المادية، لدى من أراد أن يتاجر في تعليم أبناء الأردن، وكان المعلم عند حسن ظن الشهيد وصفي به.
كان وصفي قصة وطن، يصعب تدوينها، فقد كان المسؤول النموذج الذي رفض ان يكلف خزينة الدولة مبلغ ستة دنانير، مقابل توصيل أعمدة الهاتف الى منزله في الكمالية، فطلب من مدير مكتبه أن يقسط له المبلغ، بواقع دينارين لكل شهر من راتبه الشخصي.
لقد خبر وصفي الأردن وعرفه من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، عرف حتى أدق تفاصيل الحياة للشعب الأردني، وخبر الأرض الأردنية، وعرف أنها كريمة ومعطاءة، لمن يعتز بها ويحميها، وأنها جرداء قاحلة، لمن يتنكر لها. لقد كان الشهيد وما يزال مدرسة لكل من عشق الأردن وتعلق به.
يقول الشهيد وصفي التل، في خطاب الثقة أمام مجلس النواب في حكومته الأخيرة: 'إن المواطن الذي يعيش في أمن حقيقي، هو وحده القادر على العطاء، وهو الذي يعرف كيف يموت بشجاعة، في سبيل بلده وقضيته، أما المواطن الذي يعيش في الرعب والفوضى، فلا يملك شيئا يعطيه لبلده أو قضيته أو حتى لأحد من الناس'.
في ذكرى استشهاد 'وصفي التل'، هذا الإنسان الوفي والمخلص لله وللوطن وللشعب، والذي لم يأل جهداً وهو يدافع عن العروبة وعن الأردن والأردنيين، وعن أرض فلسطين الطاهرة، سيبقى في قلوبنا إلى أبد الدهر، وسيبقى وصفي، هذا العربي الأصيل الشجاع والقوي والبطل المغوار، قدوة للأردنيين النشامى، في الدفاع عن العروبة، وعن أرض وطننا الأردن الطاهرة، وعن تراب فلسطين المقدس.