انتبهوا إلى ما يجري في العراق!

ثمة «كِباش» محتدم في العراق, يتجاوز حدود التصريحات والتراشق الكلامي المندلع الان بين نوري المالكي من جهة وكل من مسعود برزاني وحليفه التركي رجب طيب اردوغان بل وايضا يتجاوز بكثير حكاية مذكرة الانتربول ذات «اللون الاحمر» التي تم تعميمها على الدول الاعضاء (190 دولة) للقبض على نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الموجهة اليه 150 تهمة من بينها تمويل الارهاب ودعمه حيث ستبدأ محاكمة الرجل (غيابياً) اليوم الخميس..
أن يذهب نوري المالكي الى كركوك ليقول: إن المدينة عراقية, يجب ان لا تطغى فيها هوية على اخرى. يعني انه ومن على تخوم اقليم كردستان يوجه رسالة الى اربيل (والسليمانية ايضا) مفادها «انسوا المادة 140»... حيث لم تعد المدينة التي عقد فيها المالكي مجلس وزرائه (بغياب وزراء التحالف الكردستاني) من المناطق المتنازع عليها.. ما «قد» يعني أيضاً ان طبول الحرب بدأت تقرع او ان كل ما يتخذه الافرقاء (كلهم) من خطوات تصعيدية انما يقصدون من ورائها تحسين شروط «الحوار» الذي يرى كثيرون في عواصم اقليمية ودولية, ان لا بديل عنه, لان تعقيدات المشهد العراقي الطائفية والمذهبية والعرقية والمناطقية والجهوية (لا تنسى النفطية) اضافة الى انعكاسات الازمة السورية وخريطة التحالفات والاصطفافات التي افرزتها (رغم انها لم تستقر بعد). نقول: تعقيدات ليست من النوع الذي «يُحل» سريعاً أو في سهولة.
كما ليس سهلا على اطراف الازمة المُضيّ الى نهاية الشوط، فالأكلاف باهظة والأثمان مرتفعة واحتمالات الانزلاق الى حرب اقليمية تكاد تكون مرجحة بل ماثلة للعيان, مع عدم اهمال امكانية اندلاع حرب اهلية ليس بالضرورة ذات طابع طائفي او مذهبي او حتى عرقي في ظل سقوط وقيام تحالفات واصطفافات لم يكن متوقعاً لها أن تظهر في المشهد العراقي ذات يوم, وبخاصة مع المظلة التي وفّرها «زعيما» اقليم كردستان القويان رئيس الجمهورية ورئيس الاقليم للهاشمي, ووجدا دعماً معلناً اقترب من درجة التحالف الاقليمي من قبل انقرة, التي ربما تجد في مسألة الهاشمي فرصة لاستعادة بعض «الاوراق» التي فقدتها في اندفاعاتها غير المحسوبة ازاء الازمة السورية, والتي اوصلت دبلوماسيتها الى ما يشبه الشلل وبعد ان كان رهانها الوحيد هو سرعة سقوط النظام السوري, كي تبدو اكبر مستفيد من هذا التحول الاستراتيجي, فاذا بها لا تحصد غير الفشل, ودائماً في ما اظهرته عواصم دولية من «برود» ازاء التدخل العسكري, سواء لتوفير ممرات انسانية أو مناطق عازلة أو حتى باستعادة السيناريو «البوسني» الذي طبقته ادارة كلينتون ضد صربيا, بعيداً عن مجلس الامن الذي لم يمنحها تفويضاً..
ما يحدث في العراق من تصعيد تمارسه اطراف عراقية واقليمية, ربما يكون محسوباً وربما يكون نتاج سيناريوهات وخطط بدأت تنضج في ظل الثقة المتزايدة التي يبديها النظام السوري بنفسه وخصوصاً بحلفائه, الذين لم يعودوا في وارد التخلي عنه أو ادارة الظهر له, وبعد أن بدأت موازين قوى جديدة تظهر في المنطقة, ليس انعقاد الحوار النووي بين منتدى (5 +1) وايران في بغداد سوى احدى تجلياته, وما يرشح عن اوساط عليمة بأن ثمة «صفقة» في الطريق لن تخرج منها طهران خاسرة, حتى لو قدمت تنازلات ملموسة ازاء برنامجها النووي وكميات ودرجات اليورانيوم المخصب بـ5% أو 20% وفتح منشآتها النووية امام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما فيها منشأة فوردو القريبة من مدينة قم..
هل يمكن اعتبار الازمة السياسية العميقة والمتصاعدة في العراق هي باروميتر المنطقة؟ أم هي مجرد ظلال وانعكاسات للازمة السورية التي بدأت تأخذ مسارات مغايرة عن تلك التي سادت في اشهرها الستة الاولى, وبعد أن بدأ المشهد الدولي بالتغيير بسقوط واختفاء قادة دول (ساركوزي مثالاً) حيث لم يعد وارداً انعقاد مؤتمر اصدقاء سوريا بنسخته الباريسية الثالثة (بعد تونس واسطنبول)؟
من المبكر الذهاب بعيداً في التكهنات واعتبار ما يجري في بغداد وكأنه محور اهتمام العالم, وأن الاوضاع العراقية باتت تتقدم جدول الاعمال الدولي وبخاصة ان اميركا قد خرجت منه (ولو عسكرياً على الاقل) وأن ثمة في اسرائيل حكومة وحدة وطنية لم تعرف أي حكومة في تاريخها الممتد منذ 64 عاماً لها قاعدة برلمانية عريضة وصلت الى 94 مقعداً (بافتراض ثباتها), بل ثمة حكومات مثل حكومة اسحق رابين لم يكن يسندها سوى صوت واحد (61 نائباً) ووفرت لها الاحزاب العربية الممثلة في الكنيست تلك المظلة (55 + 6 نواب عرب)..
«قميص الهاشمي» هو الذي سيواصل تصدّر المشهد اعتباراً من اليوم, حيث تبدأ محاكمة غيابياً الى ان يحل يوم السابع عشر من الشهر الجاري (الخميس المقبل) وهو الموعد الذي ستنتهي فيه «المهلة» الممنوحة للمالكي من قبل خصومه في التحالف الكردستاني والكتلة العراقية قبل التصويت على سحب الثقة منه, على ما ألمح الى ذلك مسؤولون اكراد بدوا على درجة عالية من الغضب والاحتقان, الذي خلّفته خطوة المالكي الاستفزازية (على ما وصفوا انعقاد جلسة مجلس الوزراء في كركوك)..
أين من هنا؟
الايام ستقول..