سلامة بيك..عمي

اظن أن مقياس الانكماش الاقتصادي ومقياس الهيبة الوطنية في الأردن..لا يرتبط بالدراسات أبدا بل يرتبط بالمسلكيات..وساقدم الأمثلة على ذلك.
اولا :- الانكماش الاقتصادي يرتبط بمفهوم (الخشخشة)...بمعنى أن الرجال في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم كانوا يخشخشون كثيرا فهناك قيمة عالية للعملة المعدنية...ولا يتم الاحتفاظ بها في زوايا السيارة بل توضع في الجيوب..وحين يمشي الرجل يبدأ صوت الخشخشة بالظهور وهذا يعطيك رسالة أن جيوبه ممتلئة بالنقد المعدني..فعلبة السمنة كان ثمنها يدفع بالعملة المعدنية وبكيت (الريم) كان ثمنه عملة معدنية أيضا..وحتى أجرة العامل الوافد كانت تدفع (برايز) و(شلون).
لهذا كانت (الخشخشة) جزءا من وقار الرجل..وكان يقال أن فلان (بخشخش) بمعنى أن جيوبه ممتلئة...وكان يقال فلان (ولا اللي ترن) بمعنى أنه لا يملك شلنا بحكم أن الشلن اذا رميته على سطح معدني فهو يطلق (رنة)...الان انتهى مفهوم (الخشخشة) ولم يعد أحد يحمل العملة المعدنية في جيبه لأنها اصبحت من دون قيمة شرائية.
ثانيا الهيبة الوطنية :- والمقياس المعتمد بسيط جدا...وهو (سلامه بيك)..انا بصراحة لا أعرف من هو (سلامة بيك) ولكني حين كنت طفلا كانت مباريات الدوري الممتاز وبالتحديد مباريات الوحدات والفيصلي تستهويني وكنت أقف على بوابة المنصة في ستاد عمان الدولي ويأتي الناس كان بعضهم يهمس في اذن الموظف الذي يقف للتدقيق على باب المنصة..قائلا :- ( أنا من طرف سلامة بيك) وكانت كلمة (سلامة بيك) تكفي لإدخال أي شخص...من هو سلامة بيك ؟ أنا لااعرف ولكني كنت معجبا بشخصية هذا الرجل فكل الذين يدخلون هم من طرف (سلامة بيك) يحظون باحترام خاص...وبعضهم تتم مرافقته وتحديد مقعد له....
وذات يوم أتذكر اني لم أكن أملك ثمن التذكرة لدخول مباراة مصيرية بين الفيصلي والوحدات...وقد تقدمت يومها الى باب المنصة بخطى ثابتة وبرأس مرفوع وكلي كبرياء..ولم أنظر لموظفي المدينة الذين يقفون على الباب وكان من أحدهم أن حملني من (قبة القميص) فصرخت بأعلى صوتي :- (انا عمي سلامة بيك)..وأدخلوني يومها...دون أن يدققوا في الوجه والتفاصيل وحتى العيون...منذ أكثر من (25) عاما وسلامة بيك لم يغادر الذاكرة...الأمر أختلف الان فأنت حتى تدخل على المنصة عليك أن تقول :- (أنا من شركة .....أحنا اللي عم نرعى الدوري)..أو أن تقول :- ( أنا رامي....) ويدخلونك...اين ذهب سلامة بيك؟
لا أظن أن أحدا يحب الأردن أكثر مني وأريده أردن مختلف..أريد أن يعود وطنا (تخشخش) فيه جيوب الرجال وأن يعود زمن (سلامة بيك) صدقوني أن (سلامة بيك) هو من يضبط الإيقاع المحتدم..وصدقوني أن سلامة بيك هو يقيم للوطن هيبة وللزمن بهجة ومهابة...وانا (سلامة بيك) كان وما زال وسيظل عمي.
سألني احدهم امس ما رأيك بفوز همام بيك..بمنصب المراقب العام للإخوان المسلمين...فأجبته :- همام بيك قد يفوز مرة أو مرتين..ولكن سلامة بيك دوما منتصر...فهو يفوز في كل الجولات.
ليس استاد عمان وحده بل رئاسة الوزراء سأدخلها ووزارة الخارجية..وسأقول لهم على الباب (سلامة بيك) عمي...الا تكفي هذه العبارة كتذكرة للوطن والحب..من كان سلامة بيك عمه لاخوف عليه.