العلاقات الخليجية التركية من الفتور إلى التحالف الاستراتيجي
جاءت زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، لتركيا، ومباحثاته مع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان”، في قصر "خُبر” بمدينة إسطنبول، والتي جرت بعيدًا عن عدسات الصحافة، واستمرت ساعتين ونصف الساعة، في إطار العلاقات الخليجية التركية، التي شهدت تطورًا كبيرًا بدءًا من أول زيارة للرئيس "أردوغان” للرياض للتعزية في وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز، عندما قطع زيارته الأفريقية، مرورًا بزيارتي الملك سلمان بن عبد العزيز لحضور قمة العشرين، وحضور القمة الإسلامية في إسطنبول، وزيارات الرئيس التركي للسعودية، مرورًا بزيارات ولي العهد السعودي لإسطنبول، ووزير خارجية الإمارات – الأولى من نوعها – لأنقرة، وصولاً إلى زيارة الشيخ تميم إلى مدينة إسطنبول الرسمية، والتي "لم يعلن عن مدتها”.
الأوضاع المتوترة
القمة التركية – القطرية، تعد الثانية بين الزعيمين خلال شهرين، والخامسة خلال 11 شهرًا، كما تعد زيارة أمير قطر الحالية الرابعة إلى تركيا خلال 9 شهور، وكان آخر اجتماع بين الزعيمين في نيويورك يوم 19 سبتمبر/أيلول الماضي، وتشهد العلاقات الثنائية بين البلدين توافقًا في الرؤى حيال العديد من الأزمات، والقضايا التي تشهدها المنطقة في الوقت الراهن، مثل ثورات "الربيع العربي”، والأزمات في سورية، وليبيا، واليمن، والوضع بالعراق، وعلى الصعيد الاقتصادي، بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وقطر مليار و300 مليون دولار في العام الماضي، وتشير التوقعات إلى تصاعد هذا الحجم، في ظل التعاون المتنامي بين البلدين.
زيارة الملك سلمان
زيارات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لتركيا، اكتسبت أهمية قصوى في انتقال العلاقات بين البلدين إلى "التحالف الاستراتيجي”، وشهدت توقيع اتفاقيات ساسية واقتصادية وعسكرية بين البلدين، من تدريبات مشتركة، في قاعدة "انجليريك” بولاية أضنة، ومشاركة تركيا في التحالف العسكري الإسلامي، والتمرين العسكري رعد الشمال، بمنطقة حفر الباطن، والتعاون في المجال التجاري والاستثماري، وانفتاح المستثمرين السعوديين على تركيا، حيث شهد عام 2015 أكبر حركة استثمار عقاري سعودي، في تركيا، واحتل السعوديون المرتبة الأولى في هذا المجال.
"الجيش السوري الحر”
تطور العلاقات "الخليجية – التركية”، جاء في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، وخصوصًا ما يجري من عمليات عسكرية في سورية والعراق، من انطلاقة عملية "درع الفرات” التركية في سورية، ودعم "الجيش السوري الحر”، المدعوم خليجيًا – من السعودية وقطر -، ونجاحه في السيطرة على 960 كلم مربع من مناطق شمالي حلب، منها 111 منطقة مأهولة بالسكان”، وقرى عويشية وتل عطية والجبّان والأيوبية بين مدينتي إعزاز والراعي وجرابلس، وصولاً إلى تحرير "دابق” ذات الأهمية الاستراتيجية لتنظيم داعش، والحديث الآن عن الزحف إلى "الرقة” عاصمة "خلافة داعش”.
التحرك نحو الرقة
وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن القوات المدعومة من قبل بلاده في إطار عملية "درع الفرات”، ستسيطر على بلدة الباب (في ريف حلب السورية) من أجل إنشاء منطقة خالية من الإرهاب، وأضاف قائلاً: "مستعدون للتحرك نحو الرقة، أيضًا ضد داعش، لكن دون مشاركة منظمات إرهابية”، وتابع أردوغان: "إذا كانت قوات التحالف مستعدة للتحرك معنا سنقوم بما يجب ضد داعش في الرقة أيضًا، لكن دون مشاركة تنظيم "ب ي د” و”ي ب ك”، لا نريد تنظيمات إرهابية معنا”.
معركة الموصل وميلشيا الحشد
وتتواكب التحركات العسكرية التركية في سورية، مع العملية العسكرية في العراق لاستعادة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية المأهولة بالسكان، والتي يقودها الجيش العراقي بمشاركة قوات البشمركة الكردية، وميلشيا الحشد الشعبي الشيعية، وسط تخوفات من أعمال عنف طائفية، تقوم بها ميلشيا الحشد الشيعي في المدينة السنية، وتخوف تركيا من أكبر عملية نزوح من الموصل، والخلافات حول وجود قوات تركية في "بعشيقه”، التابعة لقضاء الموصل بمحافظة نينوى شمال العراق، والتي تقع على بعد 12 كم منها في سهل نينوى، ومعظم سكانها من العرب والكرد والتركمان، ويبلغ تعداد سكانها أكثر من (70000) ألف نسمة، ويوجد بها قوات عسكرية تركية.
المد الإيراني الشيعي
"التحالف الخليجي – التركي”، يقابله "تحالف روسي- إيراني عراقي – سوري”، تلعب فيه طهران دورًا رئيسيًا في العراق، من خلال دعمها لحكومة حيدر العبادي، وتواجد عناصر من الحرس الثوري، تتولى تدريب وقيادة ميلشيا الحشد الشيعي، و”قاسم السليماني”، الذي تم تقنين وجوده رسميًا في العراق، بتعيينه مستشارًا عسكريًا لرئيس الوزراء العراقي، كما تلعب إيران دورًا عسكريًا وسياسيًا بارزًا في دعم نظام بشار الأسد، ووجود عناصر من الحرس الثوري وخبراء عسكريين إيرانيين في سورية، بزعم "حماية المراقد الشيعية”، إضافة إلى ميلشيا حزب الله اللبناني، وجماعات شيعية من باكستان وأفغانستان، تقاتل بجانب النظام السوري.
خطة العمل المشتركة
الاجتماع الوزاري المشترك الخامس للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي الذي عقد بمقر الأمانة العامة بالرياض، بحضور وزراء خارجية دول مجلس التعاون ووزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، وأمين عام مجلس التعاون الدكتور عبد اللطيف الزياني، على "تمديد خطة العمل المشتركة الحالية بين مجلس التعاون وتركيا إلى نهاية عام 2018 وتطويرها بما يتلاءم مع تطورات التعاون الاستراتيجي بين دول المجلس وتركيا”، والاتفاق على عقد الاجتماع الثالث لفريق عمل التجارة والاستثمار خلال العام 2017 في تركيا، وأكد الاجتماع، على "إنشاء منطقة تجارة حرة بين مجلس التعاون وتركيا في أقرب وقت ممكن من خلال استئناف مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة”.
"الكيان الموازي”
وفي خطوة مهمة لتركيا، أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي اعتبار "الكيان الموازي”، الذي يتزعمه المعارض التركي فتح الله جولن، الذي يعيش في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة، والمتهم بتدبير محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو الماضي، ضمن "التنظيمات الإرهابية”، وعبر مجلس التعاون عن تضامنه مع تركيا في مواجهتها محاولة الانقلاب الفاشلة مرحبين بتجاوزها هذه المحاولة، وعبروا عن دعمهم للإجراءات التي تتخذها تركيا بهذا الشأن، بما في ذلك جهودها في مواجهة تنظيم أتباع فتح الله المتورط في محاولة الانقلاب.
تتابع الزيارات الخليجية
زيارة أمير قطر، بعد زيارتي ولي العهد السعودي ووزير خارجية الإمارات، تدشين لمرحلة أكثر قوة للعلاقات الخليجية التركية، في وقت تلعب فيه تركيا دورًا مباشرًا في سورية والعراق، والتصدي للزحف الإيراني الشيعي، الموجه في المقام الأول نحو السعودية ودول الخليج، مما يتطلب دعم خليجي مباشر وقوي لتركيا، وزيارة أمير قطر لإسطنبول، تأتي قبل يومين من زيارة مقررة لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إلى الدوحة غدًا الثلاثاء، بهدف الإعداد لعقد الاجتماع الثاني لـ”الجنة الاستراتيجية القطرية – التركية المشتركة”.
مظاهر قوة الشراكة
وتعكس القمم المتتالية والزيارات المتبادلة بين المسؤولين في قطر وتركيا، في وقت قريب وقصير، الحرص المتبادل بين الجانبين على التواصل والتباحث وتبادل الرؤى وتنسيق الجهود باستمرار، فإنها تعد في الوقت نفسه أحد مظاهر قوة الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، وتُوجت تلك الشراكة بتقدم كبير في العلاقات خلال الفترة القليلة الماضية، كان من أبرز مظاهره، دخول الاتفاق بين حكومتي تركيا وقطر بشأن الإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول لحملة جوازات السفر العادية حيز النفاذ منذ 28 مايو/آيار الماضي، وتوقيع اتفاقية أمنية في الشهر الذي سبقه، واتفاقية توأمة بين الدوحة وأنقرة في أغسطس/آب من العام نفسه، وتوقيع اتفاقيات اقتصادية بمليارات الدولارات.
"اللجنة العليا للتعاون الاستراتيجي”
وتم بلورة التطور المتواصل في العلاقات بين البلدين في مجالات شتى، سياسيًا، وتأطيره مؤسساتيًا، بإنشاء "اللجنة العليا للتعاون الاستراتيجي” بين البلدين، والتي عقدت أولى اجتماعاتها في الدوحة مطلع ديسمبر/كانون أول الماضي، وجاري التحضير لعقد اجتماعها الثاني، أيضًا ظهرت تلك الشراكة المثالية جلية خلال موقف قطر الداعم للشعب التركي وحكومته، في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد منتصف يوليو/تموز المنصرم.
التناغم السياسي
وفي ظل هذا التعاون المتنامي والتناغم السياسي، والتطابق في وجهات النظر تجاه القضايا والملفات الإقليمية والدولية، يعول إقليميًا ودوليًا على القمم التي تعقد بين الزعيمين التركي والقطري، في بلورة حلول ورؤى للقضايا والأزمات التي تشهدها المنطقة، وعلى رأسها الأزمة السورية.