ما الذي تسعى تركيا لتحقيقه في العراق؟
قبل أسابيع فقط من بدء القوات العراقية وشركائهم المحليين والدوليين حملتهم لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل من أيدي تنظيم بداعش، وقع المسؤولون الأتراك والعراقيين في حرب كلامية قد تعرقل جهود تحرير الموصل.
فقد رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مطالبة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تركيا بسحب قواتها من العراق قائلاً: "أنت لست محدثي، أنت لست في مستواي، أنت لست مكافئًا لي، أنت لست بنفس كفاءتي”.
وقال في حديث له أمام الزعماء الدينيين المسلمين بدول البلقان وآسيا الوسطى بإسطنبول: "صراخك وصياحك ليس له أهمية بالنسبة لنا”، وأضاف: "يجب أن تعلم أننا سنمضي في طريقنا”.
لقد كانت الموصل، التي يسكنها مليون ونصف عراقي، مقرًا للخلافة التي أعلنها تنظيم داعش شمالي العراق منذ عام ٢٠١٤، وسوف تحدد المعركة التي من المتوقع أن تجري أواخر هذا الشهر لتحرير المدينة، شكل عراق ما بعد تنظيم داعش.
كما قال أردوغان أيضًا إن تركيا مصممة على المشاركة في عملية استعادة الموصل من تنظيم داعش، سواء وافقت بغداد أم لم توافق، كما أفادت وسائل الإعلام التركية بأن تركيا تخطط للمشاركة في عملية الموصل بدعوة من رئيس حكومة إقليم كردستان، مسعود برزاني.
كما صوت البرلمان التركي قبل أسبوعين على مد فترة وجود الألفي جندي المتمركزين شمال العراق لسنة أخرى لمحاربة "المنظمات الإرهابية”، وحوالي خمسمائة جندي من هذه القوات يتمركزون بمعسكر بعشيقة شمالي العراق، حيث يقومون بتدريب المقاتلين المحليين الذين سينضمون إلى معركة استعادة الموصل.
وقد أدان العراق ما أسماه "التدخل التركي”، وحذر العبادي من أن تركيا تخاطر "بإشعال حرب أهلية”.
وطالبت حكومة العبادي بجلسة طارئة بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمناقشة الأمر، وقامت كلتا الدولتين باستدعاء سفيريهما في تصاعد للمواجهة الدبلوماسية، وقال علي فايق ديمير، خبير السياسة الخارجية التركي بجامعة غلطة سراي بإسطنبول للجزيرة: "من الصعب أخذ تهديدات بغداد على محمل الجد”.
الدولة التي لا تستطيع حماية سلامة أراضيها والقضاء على العناصر الإرهابية بداخلها لا يمكنها تهديد جارتها لقيامها بحماية مصالحها، وبخاصة عندما تكون هذه الجارة قد تمت دعوتها من قبل الحاكم السابق للموصل لتدريب الميليشيات السنية التي تستعد لقتال تنظيم داعش.
وقال متين غروجان، المحلل الأمني والمستشار السابق بالجيش التركي، للجزيرة أن "بغداد تعلم أنها لا يمكنها الوقوف في وجه إيران والولايات المتحدة”، ووفقًا لمحللين فإن شرعية الحكومة في بغداد تتلاشى تدريجيًا في خضم التوترات الطائفية والتدخلات الأجنبية واحتلال تنظيم داعش، ويقول المحللون إن العبادي يحاول استغلال وجود تركيا في شمال العراق لتأجيج نوع جديد من القومية العراقية للحفاظ على أماكن معينة في الدولة، دون تغيير خلال فترة ما بعد تنظيم داعش.
وما يقلق تركيا هو أن تقوم الحكومة في بغداد بتصعيب الأمور على سكان المدينة من السنة عندما يتم طرد تنظيم داعش من الموصل، وقال أردوغان سابقًا إن الموصل، التي سيطر عليها التنظيم لمدة عامين، تنتمي إلى "السكان السنة”.
وبعد استعادة الموصل، أضاف أردوغان: "العرب السنة والأكراد السنة والتركمان هم فقط من يجب عليهم البقاء”، وقد دفعت تصريحاته الميليشيات الشيعية المدعومة من الحكومة العراقية إلى إصدار بيان تدين فيه "المقترح العنصري لتغيير ديموغرافية الموصل” لأردوغان.
لكن محللون يعتقدون أن المخاوف التركية حول مستقبل الموصل يجب ألا تفسر كمحاولة لإعادة صياغة التشكيل الديموغرافي لدولة ذات سيادة، فقال ديمير: "يجب علينا أن نتذكر أن حدود العراق الحالية قد رُسمت وفقًا لاتفاقية سايكس بيكو”.
وأضاف: "هذه الحدود ليست إلا خطوطًا تم رسمها على الرمال على يد البريطانيين؛ لذلك فإن الموقف يمكن تحليله بشكل واقعي من منظور يتمحور حول المدينة؛ فالموصل هي تاريخيًا مدينة سنية وأي محاولة لتغيير التكوين الديموغرافي لها قد يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن تركيا”.
ووفقًا لمحللين عراقيين، فإن وجود الجيش التركي في البعشيقة يمثل "انتهاكًا واضحًا للسيادة القومية؛ فبغداد تعتبر القوات التركية قوة احتلال لأن جنودها قد أرسلوا إلى البعشيقة دون تنسيق مسبق – أو موافقة – مع الحكومة العراقية”، كما صرح واثق الهاشمي، رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية ببغداد، وهو مركز بحثي بالعراق، وأضاف الهاشمي أن تركيا أرادت "السيطرة على الموصل لإقامة منطقة عازلة تسمح لها باستهداف مقاتلي حزب العمال الكردستاني”.
وقد أكد محللون على أن عدم ارتياح تركيا من مساعدة ميليشيات طائفية للجيش العراقي في عملية تحرير الموصل يجب ألا يُهمل؛ باعتباره رغبة في حماية السكان السنة من المنطقة، وتساءل ديمير: "إذا دخلت [هذه القوات] إلى الموصل، فإلى أين سيذهب السنة الذين يعيشون في المدينة؟”، وأضاف: "بالطبع لا يمكنهم الذهاب إلى سورية، لذلك سيتجهون شمالاً، إلى تركيا”.
تستضيف تركيا بالفعل 2.7 مليون لاجئًا، كما قال: "لا تستطيع تركيا ببساطة استيعاب موجة أخرى من اللاجئين، لذلك فإن الحكومة التركية والجيش يحتاجون إلى اتخاذ إجراءات احترازية لضمان بقاء سكان الموصل بالمدينة بعد طرد تنظيم داعش من المدينة”.
وقد طالبت الولايات المتحدة تركيا باحترام رغبات الحكومة العراقية فيما يتعلق بوجود جيشها في البلاد، فقد صرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية، جون كيربي، الثلاثاء، بأن "جميع جيران العراق يحتاجون إلى احترام سيادة العراق وسلامة أراضيه، ونحن نناشد كلا الحكومتين بالتركيز على عدوهما المشترك، وعدونا المشترك، وهو داعش”.
لكن محللون يعتقدون أن موقف الولايات المتحدة بهذا الشأن ليس أكثر من مجرد خطاب، يقول غروجان: "جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة، بما فيها الولايات المتحدة، تحاول إعادة ضبط مواقعها استعداد لما بعد تنظيم داعش، ربما يتحدثون عن أهمية سيادة العراق وسلامة أراضيه، لكن أحدًا منهم لا يهتم بالعودة إلى الوضع القائم قبل ظهور تنظيم داعش، فهم يعلمون أن هذا غير ممكن من الناحية العملية”.
وقال ديمير إن الولايات المتحدة تعتقد أن تركيا تحاول إنشاء معقل للسنة حول الموصل، وأنها ليست بالضرورة معارضة للفكرة.
وقال غروجان: "وجود كيان سني في شمال العراق قد يقلل من نفوذ إيران في المنطقة، والولايات المتحدة قد تقدر أمرًا كهذا”، وقال أيضًا: "لكن أنقرة كانت تحاول استبعاد واشنطن من هذه اللعبة؛ فقد كانت تحاول العمل كفاعل مستقل من خلال التعامل مع أطراف فرعية بالدولة، وهذا هو مصدر الإحباط الأميركي من تركيا”.
وأضاف: "ليس هناك صواب وخطأ في شمال العراق حاليًا، وما يحدث للموصل قد يبدأ سلسلة من ردود الأفعال المتعاقبة من شأنها تغيير جميع الخرائط الإقليمية، وكل ما يمكننا فعله هو أو ننتظر ونرى”.
وقال الهاشمي إن الحكومة العراقية يجب أن تلتزم بضبط النفس وألا تتورط في أي نشاط عسكري ضد القوات التركية في البعشيقة؛ "فمعسكر البعشيقة العسكري يقع في موقع تراشق النيران بمجرد بدء معركة الموصل، وهنا، يجب على الحكومة العراقية إخطار أنقرة، والعالم كله أن بغداد لا تتحمل مسؤولية أي استهداف للقوات التركية”.