اردنيات يتوجهن لمهنة السباكة وهذه هي ردة فعل سيدة مسنة عند رؤية احداهن في الزرقاء
بعد أن أمضت الثلاثينية آمال عبدالله عشرين عاماً في العمل بتهديب الشماغات، طوّعت أناملها من جديد لتخوض تجربة كانت في السابق حكراً على الرجال، وباشرت أعمال السباكة والصيانة المنزلية في محافظة الزرقاء.
وكانت آمال واحدة من بين مجموعة من السيدات اللاتي استفدن من مبادرة "السباكة للسيدات” والتي تأتي ضمن مشروع ” إدارة المياه المنزلية” وهو واحد من جملة المشاريع التي تديرها وتنفذها شركة تحدي الألفية، بموجب بنود المنحة المقدمة من مؤسسة تحدي الألفية التابعة للحكومة الأميركية والتي بلغت 275 مليون دولار، والتي شملت المشاريع المتعلقة بشبكات المياه والصرف الصحي وتوسعة محطة خربة السمراء لتنقية مياه الصرف الصحي.
وقامت شركة تحدي الألفية بالتعاون مع مؤسسة التدريب المهني بتأهيل حوالي ثلاثين سيدة للعمل في مهنة السباكة من خلال سلسلة من البرامج التدريبية التي استمرت لمدة أربعة أسابيع قدمت فيها للمتدربات كل ما يتعلق بمهنة السباكة وإدارة المشاريع الصغيرة. وتبع هذا تدريب عملي للسيدات من خلال العمل مع مقاولي شركة تحدي الألفية كسباكات يساهمن في إصلاح أنظمة المياه المنزلية لبيوت الأسر الأكثر احتياجاً في محافظة الزرقاء.
ولم تقتصر مبادرة "السباكة للسيدات” على التدريب، بل عملت على تأمين المتدربات بأدوات السباكة اللازمة للعمل، ومجموعة من المواد الدعائية اللازمة لتعريف الجمهور بالخدمات التي تقدمها النساء السبّاكات. كما قامت الشركة بالربط بين النساء السبّاكات والجمعيات النسائيه في محافظة الزرقاء ومعاهد تمويل المشاريع الصغيرة وغيرها من البرامج والمشاريع لتأمين الترويج الدعائي والدعم المادي لضمان استمرارية ونجاح أعمال هؤلاء المتدربات.
وتهدف المبادرة إلى مساعدة الفئات المهمشة وخاصة النساء على إيجاد مصادر للدخل الإضافي، في الوقت الذي تشير فيه آخر الدراسات أن نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة في الأردن كانت تقدر بـ 16 % في العام 2010 بينما هبطت إلى 12.6 % في العام 2014، مما يعني أن امرأة واحد فقط من كل ثماني نساء أردنيات إما تعمل أو تبحث عن عمل، مقابل ثلاثة من كل خمسة رجال.
وتعد هذه النسبة من أكثر النسب تدنياً على مستوى العالم وترجع أسبابها لعدم مقدرة السوق الأردني على توليد فرص العمل، وعدم توفر ظروف عمل لائقة للمرأة كصعوبة المواصلات وعدم توفر حماية اجتماعية أو حتى الخضوع لثقافة العيب وعدم القدرة على كسر التابوهات.
ثقافة العيب ومواجهة التابوهات الإجتماعية من أكثر الصعوبات التي واجهت المتدربات المشاركات في مبادرة "السباكة للسيدات ” أضف إلى ذلك الصعوبات الجسدية المتعلقة بطبيعة المهنة . تقول آمال:” بعدني متذكرة كيف ريحة اللحام أزعجتني أول يوم، وكيف كنت خايفة أطلع فوق الخزان وأوقع! ”
أما مريم توفيق المتزوجة وأم لثلاثة أولاد لم تزعجها الصعوبات الجسدية بقدر ما أجهدها إقناع عائلتها بفكرة مغادرة المنزل، والتي كانت مرفوضة بحد ذاتها، للعمل في مهنة السباكة، لكنها استطاعت التغلب على تلك الصعوبات وأصرّت على الخروج من المنزل ومساعدة زوجها في مصاريف العائلة .
وبينما تخطت مريم وآمال الصعوبات الجسدية والمعنوية خلال فترة التدريب، واجهتهم صعوبات أخرى عندما باشرت كل منهما في عملها بمهنة السباكة وصيانة المنازل، وتفاوتت ردور أفعال المجتمع فبينما جوبهت مريم بالإستهجان، قوبلت آمال بالترحيب.
وتروي مريم قصة أول زيارة قامت بها لصيانة منزل، وكانت بمرافقة المقاولين التابعين لشركة تحدي الألفية حيث قابلتها سيدة مسنة بالصراخ ” شو بتسوي يما شو موقفكي مع العمال ! ".
بينما حالف الحظ آمال في زيارتها الأولى وحظيت بحفاوة الإستقبال من قبل صاحب المنزل وهو أب لعدة بنات حيث بادرها بابتسامة وقال "هلا يابا والله هذه فكرة ممتازة خليكي واقفة مع البنات والعمال وخليني أصل السوق !”
وعلى الرغم من ثقافة المجتمع الرافضة لهذا النوع من العمل للمرأة ، وصعوبات العمل الجسدي التي ترافق مهنة السباكة، تبقى الظروف الإقتصادية الصعبة سيدة الموقف تفرض واقع حال جديد نقل عمل المرأة من خانة الرفاهية إلى خانة الضرورة الإقتصادية التي تعزز من دخل الأسرة وتلبي إحتياجاتها، ومن حالة عدم الإنتاجية أو حتى الإنتاجية الموسمية إلى حالة من الاستقرار والاستقلالية المادية.