لو استمعوا للملك لاستقرت المنطقة منذ زمن ..

في العام 2003 عندما احتلت القوات الاميركية والبريطانية العراق وفي العام2011 عندما تفجرت الازمة السورية على وقع تداعيات الربيع العربي ، نصح جلالة الملك عبد الله الثاني في الاولى ان لا يتم التعرض لمؤسسات الدولة العراقية وان لا يتم حلها خصوصا الجيش والوزارات المختلفة ، وفي حالة سوريا قالوا الامر ينتهي في «ستة اشهر وقال جلالته ست سنوات» ولا حل غير الحل السياسي ، فقد كان واضحا للدبلوماسية الاردنية وفق قراءات عميقة ومعطيات كثيرة بانه اذا لم يتم الذهاب سريعا

الى الحل السياسي فان الصراع سيكون طويلا ومكلفا ومدمرا وعلى ذلك اقام الاردن استراتجيته الوطنية للتعاطي مع الازمة منذ بدايتها.

ماحذر منه الملك مبكرا حدث في العراق وسوريا ، فها هي الحرب في سوريا تطحن كل شيء والعراق الشقيق يعاني الويلات منذ اكثر من عقد من الزمان ويدفع الثمن الفادح من امنه واستقراره ودماء اهله ، وفي كلا البلدين الشقيقين استشرى الارهاب الاسود بابشع صوره وبكل الظلامية التي عرفتها البشرية .

وفي ظل التراخي وتاخر الحل السياسي تتدهور في هذه الايام ازمات المنطقة والازمة السورية على وجه الخصوص من صراعات داخلية مدعومة من اطراف اقليمية الى صراع دولي مباشر الولايات المتحدة ومعها الغرب في جانب وروسيا بوتين وحلفائها في الاقليم ، وهو صراع ان لم يتم تداركه سيذهب الى مالات ونتائج كارثية لا يمكن التنبؤ بها.

افة الارهاب لم تغب عن التفكير والقراءة الاردنية ايضا ومنذ وقت مبكر عرف الاردن ان موجتها ستكون هوجاء ، في ظل الفوضى العارمة في المنطقة وترك الازمات تفلت من عقالها مرة لعدم جدية الحرب على الارهاب ومرة ثانية جراء حالة الاستقطاب الدولي والاقليمي التي استفحلت وجعلت الازمة في سوريا خصوصا في خانة الحرب والدمار والقتل بلا افاق لحلول سياسية معقولة.

كانت للاردن بقيادة جلالة الملك على الدوام مقاربات واضحة ومبكرة ، للتعاطي مع الازمات في المنطقة خصوصا في سوريا والعراق ، لكن القوى المؤثرة على الساحة الدولية وايضا العديد من القوى الاقليمية دخلت في حسابات ، معقدة لم تساعد باي حال ، على التوصل الى مقاربات دولية بالشراكة مع القوى الاقليمية تفضي الى حلول تنقذ المنطقة وبلدانها والعالم ايضا من تداعيات الحروب والازمات وكذلك افة الارهاب التي وجدت في بؤرة الفوضى الشرق اوسطية ملاذات لممارسة جرائمها ومن ثم وجدت امكانيات مادية كبيرة ووقتا طويلا استرخت فيه بلا مخاطر وجودية عليها لتنشر بعدها شررها ودمويتها الى العالم كله.

لم يقل جلالة الملك كلمته ويطرح رؤيته في مناسبة واحدة ، بل كانت كل المناسبات ، وكافة الاتصالات والزيارات التي قام بها جلالته مع كافة القوى الفاعلة على الساحة الدولية والاقليمية ، تركز على خطورة التاخر في الحلول ، وكانت ولا زالت رؤية الملك على الدوام ، ان لا حلول عسكرية لازمات الاقليم ، بل ان الحلول السياسية العادلة هي المركز وهي الوصفة الناجحة ، لوقف نزيف الدم والدمار ، والحفاظ بشكل اساسي على مفهوم الدولة ومؤسساتها ، في الدول التي تعمقت فيها الازمات لان غياب مفهوم الدولة والمؤسسات يعني بالضرورة مزيدا من الانقسامات والتفتت والانحدار الى كل اشكال الحروب وماسيها وصولا الى خطر الحروب الاهلية التي لا تبقي ولا تذر.

حتى حرب الارهاب ، كان للاردن بقيادة جلالة الملك رؤية مبكرة وواضحة لها لخوضها ، لم تغب عنها اي تفاصيل او معالجات ، بدءا من ضرورة اقرار العرب والمسلمين انها « حربنا « لان خوراج العصر ، يستهدفون الاسلام والمسلمين قبل غيرهم وقتلوا منهم اكثر من غيرهم ، ثم ان كسب هذه الحرب وفق الرؤية الملكية الشاملة يستدعي ان يتم خوضها على كافة الجبهات العسكرية والفكرية والمادية كما يجب تحصين «الامن الفضائي « بمعنى المكافحة على شبكات التواصل الاجتماعي لتجفيف منابع التجنيد والتمويل للعصابات الارهابية.

كان جلالة الملك قال مؤخرا في مقابلته مع شبكة سي بي اس الاميركية في اطار شمولية الحرب على الارهاب « يتعين علينا أن نكون استباقيين، لأن رد فعل هؤلاء الإرهابيين، وللأسف، أسرع من استجابتنا « ولفت جلالته الى انهم لايعترفون بالحدود ويتنقلون من مكان لاخر ومن دولة لاخرى ، وهو ما يؤكد وجوب النظرة العالمية الشمولية لكسب الحرب ضد الارهاب بشكل حاسم.

كل هذه الرؤى والمقاربات الشاملة والمبكرة لجلالة الملك ، ثبت للعالم انها صوابية ، وانها لو اتبعت لما دفعت دول المنطقة كل هذه الاثمان الفادحة على مدى العقدين الاخيرين ، وكانت الرؤية الملكية ثابتة على الدوام بان القضية الفلسطينية هي مركز الصراع في المنقطة ، اذ ان مظلمة الشعب الفلسطيني بحرمانه من حقوقه وتقرير مصيره وبقاء الاحتلال من شأنه على الدوام ان يبقى المنطقة في حالة من الصراع ، وكذلك بقاء الامن والسلم الدوليين في حالة اضطراب.

صحيح ان الوقت تأخر كثيرا ، وتفاقمت الازمات ، الى خطورة تتعدى الصراع الاقليمي ، الى مخاطر الصراع الدولي في هذه المرحلة ، لكن العودة للمقاربات والحلول السياسية هي طوق النجاة بلا شك ، وبذلك لم يبخل جلالة الملك بالطرح والرؤى على كافة الاطراف التي يملك مرونة ومصداقية للحديث معها في أي وقت واي مرحلة وكانت صائبة باعتراف الجميع.