رغم تشابه وضعهما.. لماذا الاهتمام الإعلامي بمدينة حلب أقوى من بنغازي الليبية؟

قالت صحيفة "لافانغارديا” الإسبانية إن مدينة بنغازي الليبية، التي حولتها الحرب إلى مدينة مدمرة، باتت مثل حلب السورية، خصوصًا أن الحرب لا تعرف معنى الهدنة، حتى خلال الأعياد والمناسبات الرسمية، وأوضحت في تقريرها، أن القصف العشوائي، والتفجيرات اليومية، والقتال المتواصل في حي القنفودة، في قلب مدينة بنغازي (شرق ليبيا*، لا يختلف كثيرا في حدته وكثافته عن الوقائع التي تعيشها المدينة السورية.

أضاف التقرير أنه هذه المنطقة لم تعرف الراحة أو الهدوء، فأصوات القنابل وطلقات البندقيات لا تعرف الصمت، كما أن السكان يعانون نقصًا في الغذاء والماء والأدوية، وهم معرضون في كل الأوقات إلى خطر القنابل والقصف”، وأشار إلى أن مقاتلي تنظيم الدولة يسيطرون على جزء من هذه المنطقة، عدا عن الحصار المفروض عليها من قبل قوات "عملية الكرامة” بقيادة خليفة حفتر، واصفا الأمر بأن هذا الحصار حوّل بنغازي، المدينة الثانية في ليبيا وعاصمة الثورة ضد ديكتاتورية معمر القذافي، إلى مدينة أشباح، ورهينة للعنف وساحة مأساة إنسانية منسية.

وبينت الصحيفة أن الوقت بدأ ينفد أمام سكان قنفودة المحاصرين، الذين أُلقي بهم إلى التهلكة تحت القصف المدفعي والجوي، الذي ينهال عليهم كالمطر، وهم يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة، دون طعام أو ماء صالح للشراب، وأضافت أن أم طه، وهي إحدى "الأمهات الشجاعات”، تهتم بإحدى العائلات من بين حوالي 170 عائلة محاصرة في قنفودة، ومختبئة في الطوابق السفلية للمباني، التي هدمتها طائرات حفتر، المدعومة من عدة دول، من بينها مصر وروسيا وفرنسا.

معاناة السكان

وفي الحديث عن معاناة سكان المنطقة، قالت أم طه إن "الحياة مستحيلة هنا، فالمياه غير صالحة للشراب، وانتهت صلاحية المواد الغذائية منذ فترة طويلة، كما يفتقر السكان إلى غاز الطهي، وأبسط مقوّمات العيش الكريم”، وواصلت المرأة حديثها، وقد بدت علامات اليأس جلية على وجهها، حيث قالت: "نحن بإمكاننا الصمود والصبر لمدة أطول، إلا أن أطفالنا لا يتمكنون من البقاء على قيد الحياة وسط هذه الظروف، إن أطفالنا يستفيقون كل يوم تحت ضجيج القصف، متوقعين في كل لحظة أن دورهم قد حان للموت، إنهم في حالة من الصدمة، كما أنهم أصبحوا عدوانيين جدا، وكثيرا ما يميلون إلى استعمال العنف”.

وردا على تقارير منظمة "العفو الدولية” التي تقول إن قوات حفتر ترتكب بمجازر بحق المدنيين، قال المتحدث باسم قوات "عملية الكرامة”، أحمد المسماري، في حوار على قناة "الإخبارية”، إن "كل العائلات المتواجدة في منطقة قنفودة هي من بلدان أجنبية، إما تركية أو قطرية أو بلدان أخرى إفريقية”، معتبرا أن "تقارير منظمة العفو الدولية تشوّه الواقع، بالتالي فهي تفتقر إلى المصداقية”.

وانتقد المسماري القوى الدولية، التي لم تطالب بفتح ممرات إنسانية في بنغازي، كما هو الحال في سوريا والعراق، كما اتهم منظمة العفو الدولية بتجميع معلومات، غالبا ما يكون مصدرها "الجماعات الإرهابية”، إلا أنه لم يخصص في قوله من هي هذه الجماعات، كما أكد في حديثه أن "القصف سيتواصل في حي قنفودة، إلى غاية استعادة السيطرة على هذه المنطقة”.

ومع ذلك، أشار المسماري إلى أن "عملية الكرامة” مستعدة لتسهيل رحيل تلك الأسر، التي لم يعترف بها سابقا، وقال إن هذه القوات وضعت خطة سيتم تنفيذها على ثلاثة مراحل، بهدف إجلائهم، وصرح بأن كلا من "الأطفال وكبار السن والنساء، يمكنهم التنقل برا مرورا بالنقاط التي تتمركز فيها قواتنا، كما أن الذين يرغبون في التنقل عبر البحر للوصول إلى المدن الغربية، يمكنهم القيام بذلك عن طريق ميناء المريسة، أما البقية، بما في ذلك الجرحى، فسيتم سجنهم إلى غاية محاكمتهم، بسبب الجرائم التي ارتكبوها في بنغازي”.

وأوردت الصحيفة أن خليفة حفتر، المهووس بالثروات النفطية، حذر في عدة مناسبات من أنه لن يتخلى عن القتال المسلح، إلى غاية السيطرة على المدينتين الاستراتيجيتين، بنغازي وطرابلس.

التسليط الإعلامي على حلب دون بنغازي

في 16 مارس 2016، نقل موع "هافينغتون بوست عربي” عن مصادر أمنية ليبية أن قوات فرنسية خاصة وصلت في المدة الماضية إلى بنغازي، لتقديم الدعم لقوات حفتر في عملياتها العسكرية، وأنها تمركزت داخل قاعدة "بنينة” الجوية، حيث أنشأت غرفة عمليات مشتركة، يرأسها من الجانب الليبي العقيد سالم العبدلي.

وتحدثت صحيفة "لوموند” لاحقا في مقالة لها عن وجود قوات فرنسية وعناصر من أجهزة الاستخبارات منذ عدة أشهر في ليبيا، مشيرة إلى دور فرنسي في العملية التي أدت إلى مقتل أبو نبيل العراقي، الذي يوصف بأنه أكبر مسؤول لتنظيم "داعش” بليبيا، خلال غارة أمريكية نُفذت في محيط مدينة درنة، شرق البلاد في نوفمبر الماضي.

الدعم الغربي الذي يتلقاه حفتر منذ عودته إلى ليبيا، ومحاولة الانقلاب التي تزعمها، جعلت الحديث عن مدينة بنغازي قليل جدًا في الإعلام، فالغرب لا يُريد أن يظهر حليفه في ليبيا، وهو يقتل الأطفال ويُحارب المدنيين، فقد عبّر وزير خارجية حكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس "علي أبو زعكوك” عن إدانة أي تدخل أجنبي من أي دولة لمساندة حفتر، ووصف القوات الفرنسية، التي يقال إنها تسانده بـ”المرتزقة”، متهما القائد العام لقوات الحكومة المنافسة في طبرق، باستجلاب مرتزقة من إفريقيا، والاستعانة بمنتسبي اللواء 32 معزز، الذي كان يقوده أحد أنجال القذافي.

وبحسب المحلل السياسي، محمد الطاهر، فإنه يمكن القول إن ظهور شبح القوات الفرنسية وشبح اللواء 32 معزز في هذا الظرف، له دلالات واضحة على انقلاب الموقف شرق ليبيا رأسا على عقب، خصوصًا أن اكتساح مواقع "داعش” وحلفائهم في بنغازي، تزامن مع السيطرة التامة على مدينة أجدابيا، التي كانت تعد معقلا مهما لتنظيمات توصف بالمتطرفة، كما يمكن وضع الإشارات عن دور فرنسي في شرق ليبيا، في إطار تغير متزايد في موقف الدول الغربية من محاربة "داعش” في ليبيا، الذي كان يربط بتشكيل حكومة توافق وطني.

هذا الاتجاه، تعزز مع شن الولايات المتحدة غارة الجمعة الماضية، استهدفت موقعا في مدينة صبراتة إلى الغرب من العاصمة طرابلس، وأدت إلى مقتل 49 من عناصر "داعش”، معظمهم من تونس، تلاه إعلان روما أنها ستسمح لواشنطن بضرب أهداف في ليبيا بواسطة طائرات من دون طيار، انطلاقا من قواعد بجزيرة صقلية.

التدخل الفرنسي الأميركي في ليبيا لدعم قوات حفتر، سيجعل أي تسليط اعلامي على ما يحدث في المدن الليبية شبه مستحيل، على العكس مما يحدث في مدينة حلب السورية.

مدينة بنغازي

(1) بَنغازي ثاني أكبر مدن ليبيا سكانًا، وأكبر مدينة في اقليم برقة، والعاصمة المشتركة السابقة للبلاد، حسب دستور استقلال ليبيا العام 1951.

(2) تطل على ساحل البحر المتوسط، وتضم بنغازي الكبرى مدنًا وبلدات في جنوبها، مثل قمينس، سلوق، الأبيار وتوكرة، إضافة لكونها إحدى (شعبيات ليبيا سابقًا) والمدينة هي عاصمتها.

(3) في 15 فبراير 2011، اندلعت احتجاجات في المدينة ضد حكومة العقيد معمر القذافي، وتمت السيطرة على المدينة في 21 فبراير 2011 من قبل السكان المعارضين لنظام القذافي.

(4) تم تشكيل المجلس الوطني الانتقالي، بعد ذلك بعدة أيام.

(5) في 19 مارس 2011، كانت بنغازي مهد الثورة وموقع نقطة التحول الفاصلة في الثورة الليبية، حين حاول الجيش التابع للعقيد تحقيق نصر حاسم على المعارضة لاستعادة المدينة، إلا أنه تم ردعه بمقاومة السكان المحليين، ثم بتدخل القوات الجوية الفرنسية المرخص تحت قرار مجلس الأمن رقم 1973 لحماية المدنيين، وهو ما أذن للثورة بالاستمرار.

(6) شهدت المدينة انهيارًا في الأمن وغياب سلطة الدولة ونفاذ القانون، كما شهدت أعلى معدل لحوادث الاغتيال في البلاد، التي بدأت بالظهور بعد الثورة الليبية في 2011، حيث استهدف معظمها عسكريين من المدينة، حتى إن كانوا خارج الخدمة، إضافة لرجال قضاء وشرطة ونشطاء مجتمع مدني وإعلاميين وشخصيات دينية ومجتمعية.

(7) في 31 يوليو 2014، أعلنت ميليشيا "أنصار الشريعة”، التي أعلنت ولاءها للقاعدة أو (مجلس شورى ثوار بنغازي) السيطرة الكاملة على بنغازي، بعد هجوم كبير سيطرت خلاله على ثكنة عسكرية كبيرة تابعة للجيش الليبي داخل المدينة.

(8) في منتصف أكتوبر، أطلق الجيش الليبي هجوما لاستعادة السيطرة على المدينة، حيث ذكرت تقارير حينها أنه تمكن من السيطرة على 90% من بنغازي.