تصريحات مسربة لكيري تقلب طاولة التسوية السورية رأسا على عقب
اتهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، روسيا بانها "خدعته" في المفاوضات حول سورية، وأكد لمعارضين سوريين أن بلاده لن تقحم نفسها في سورية، وأنه إذا ما احتدم الصراع هناك فإنه سيتم القضاء عليهم جميعا.
جاء ذلك في تسجيل مسرب لحديث أدلى به وزير الخارجية الأميركي، في اجتماع عقده مع معارضين ونشطاء سوريين في الـ22 الشهر الماضي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. ونشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
وعبر كيري في حديثه عن خيبة أمله، وإحباطه حيال كيفية معالجة بلاده الملف السوري، مشيرا إلى انعدام الرغبة لدى الإدارة الأميركية في الحرب في سورية، فضلا عن أن "الكونغرس لن يوافق على استخدام القوة نظرا لمعارضة الكثير من الأميركيين إرسال شبابنا إلى سورية ليقتلوا هناك".
وردا على تعقيب لأحد السوريين "أكد فيه أن المعارضة لا تطالب بالتدخل في سورية"، قال كيري: جهودنا الدبلوماسية على الساحة السورية لم تكن معززة باستخدام القوة "حيث أن ثلاث شخصيات فقط في الإدارة الأميركية طالبت باستخدام القوة، الأمر الذي انعكس عليّ خسارة في الجدل حول استخدام القوة في سورية من عدمه".
واعتبر كيري أن تسليح المعارضة في سورية أو انخراط بلاده في الحرب هناك، سيؤدي إلى نتائج عكسية، "وزيادة سقف المراهنات"، مؤكدا أن توسيع نطاق التدخل الأميركي في سورية، سوف يدفع بالأطراف الأخرى المنخرطة في الأزمة السورية نحو القيام بخطوات مشابهة.
وأضاف مخاطبا المعارضين: "ذلك سيفضي إلى بذل روسيا ما هو أكثر، وتسخير إيران ما هو أكثر، فضلا عن انخراط أوسع لـ"حزب الله"، و"جبهة النصرة". السعودية وتركيا في هذه الأثناء، سوف تضخان جميع ما لديهما من أموال موكلة إليهم، وكل ذلك سينتهي في نهاية المطاف بالقضاء عليكم جميعا".
وأعرب كيري عن اعتقاده بأنه على المعارضة القبول بخوض انتخابات يشارك فيها "رئيس النظام السوري بشار الأسد".
الحضور العسكري الروسي في سورية شرعي بالمطلق
وبين أبرز النقاط التي أشار إليها كيري في حديثه المسرب حسب الصحيفة الأميركية، اعترافه لمحاوريه بأن الولايات المتحدة لا تستند إلى أي أساس قانوني يشرع لها مهاجمة حكومة الأسد، خلافا لموسكو المتواجدة قواتها في سورية بناء على دعوة من الحكومة في دمشق.
وأضاف: إذا قررنا التدخل العسكري في سورية، فإننا سنصطدم بـ"الفيتو" الروسي أو الصيني في مجلس الأمن الدولي، إذ أن السوريين لم يعتدوا علينا، وبلادنا غير مدعوة إلى سورية، الأمر الذي يستثني شرعية تدخلنا العسكري في هذا البلد.
ولفت كيري نظر ضيوفه إلى أن "اللامبالاة التي ينتهجها الأسد على جميع الأصعدة"، قد تدفع بالحكومة الأميركية إلى تبديل مسارها بالكامل على الحلبة السورية، وذكّر الحضور بالتغير الحاصل في الولايات المتحدة في الوقت الراهن تجاه الخطوات الأميركية في حيال سورية، مشيرا إلى أن السبب في ذلك يكمن في انهيار المبادرة الروسية الأميركية التي صيغت في الـ10 من الشهر الماضي في جنيف لوقف إطلاق النار في سورية، والعملية العسكرية واسعة النطاق للجيش السوري في حلب.
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن السوريين الذين اجتمع بهم كيري ليسوا متورطين في تسريب التسجيل، وأنهم أكدوا صحته، ولفتت النظر كذلك إلى أن جون كيربي الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، لم ينف هو الآخر صحة التسجيل.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن كيربي قوله بهذا الصدد: لقد عقد وزير خارجيتنا لقاء غير رسمي مع معارضين سوريين للاستماع إليهم، "والتأكيد لهم أن إنهاء الحرب الأهلية في سورية ما يزال يتوسط اهتمامات" السلطات الأميركية.
وأضاف كيربي: لقد حضر الاجتماع زهاء عشرين شخصا بمن فيهم عدد من الدبلوماسيين "من ثلاثة أو أربع دول".
وقالت الصحيفة ان مما يعزز صحة حديث كيري المسرب اتساقه مع موقف الرئيس أوباما.
وسبق للرئيس الأميركي باراك أوباما وأن صرح مؤخرا بأن تقديم دعم أكبر للمعارضة السورية المسلحة، "لن يسهم في وقف الحرب الأهلية في سورية"، وأنه لا يتعين على بلاده أن تلعب دور الشرطي في بلدان الشرق الأوسط كأفغانستان والعراق واليمن والصومال.
وفي حديث نقلته "سي ان ان" قال: "لم يتبلور في سورية سيناريو يمكننا من خلاله وقف حربها الأهلية التي ابتلعت الجانبين، سوى نشر قوات كبيرة لنا هناك، فيما يرى من ينتقدون موقفي أنه لو قدمنا دعما كبيرا للمعارضة المعتدلة في سورية لتمكنت من الإطاحة بنظام الأسد الدموي".
وأضاف: "المشكلة تكمن في الدعم الذي يحصل عليه النظام السوري من روسيا وإيران، الأمر الذي سيعني انتهاكنا القانون الدولي إذا ما تدخلنا بشكل مباشر وأرسلنا قواتنا إلى سورية، ناهيك عن التصعيد الذي كان له أن يحدث والصعوبات التي ستواجهها الولايات المتحدة. سوف تظهر في جميع أنحاء العالم المشاكل التي لا تهدد أمننا بشكل مباشر، فيما لا يمكن للحل أن يتمثل في تدخلنا أينما كان وإرسال قواتنا إلى حيث كان".
ميدانيا، خاض الجيش السوري السبت اشتباكات عنيفة ضد المجموعات المسلحة على محورين داخل مدينة حلب بدعم جوي روسي، في محاولة للتقدم داخل الاحياء الشرقية، وفق ما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان ومراسل فرانس برس.
واشار المرصد الى اشتباكات عنيفة متواصلة بين الجيش والمسلحين من جهة اخرى على محور سليمان الحلبي وبستان الباشا في وسط مدينة حلب، وعلى محور الشقيف في شمال المدينة، لافتا الى تحقيق الجيش تقدما اضافيا في المحورين.
وقال مراسل لفرانس برس ان معظم الاحياء الشرقية شهدت ليلا هدوءا الى حد ما، فيما تركزت الغارات على مناطق الاشتباك في حيي سليمان الحلبي وبستان الباشا. وافاد بغارات استهدفت صباحا حي الصاخور في شرق حلب.
ويحاول الجيش التقدم الى الاحياء الشرقية من وسط المدينة، حيث تمكن الجمعة من السيطرة على ابنية عدة في حي سليمان الحلبي الذي تتقاسم المجموعات المسلحة السيطرة عليه وتخوض اشتباكات على اطراف حي بستان الباشا.
كما بدأ الجيش السوري، هجوما موازيا من شمال المدينة حيث سيطر على المشفى الكندي الجمعة غداة استعادته السيطرة على مخيم حندرات الواقع شمال مدينة حلب. وتتركز الاشتباكات حاليا في منطقة الشقيف شمال حي بستان الباشا.
وتقول المجموعات المسلحة ان القصف الجوي استهدف، أكبر مستشفى في الاحياء الشرقية التي تسيطر عليها في مدينة حلب لقصف بالبراميل المتفجرة السبت، للمرة الثانية في اربعة ايام.
اما المسؤول في الجمعية الطبية السورية الأميركية ادهم سحلول صرح لوكالة فرانس برس السبت "تعرض المستشفى للقصف ببرميلين متفجرين، كما افادت تقارير عن سقوط قنبلة انشطارية" على المشفى الواقع في شرق حلب.
وأكد المرصد السوري لحقوق الانسان توقف عمل المستشفى جراء استهدافه، مشيرا إلى مقتل شخص على الاقل.
مشروع قرار فرنسي لجلسة مجلس الأمن حول حلب
وفي نيورورك، أعلن دبلوماسيون أن القوى الخمس الكبرى في مجلس الامن الدولي التي أجرت الجمعة مناقشة أولى لمشروع قرار فرنسي حول سورية، موضحين أن المناقشات ستتواصل على مستوى الخبراء.
وتأمل فرنسا في أن تتقدم غدا الاثنين بمشروعها الذي يركز على الوضع المأسوي في حلب، الى جميع البلدان الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن.
وفي الجلسة الاولى لسفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين)، لم تقدم روسيا اعتراضا مبدئيا على النص، وطلبت مزيدا من الوقت لدرسه تفصيليا. وقال احد الدبلوماسيين "لم يبد الروس معارضة أولية".
ويركز المشروع الفرنسي على الوضع في حلب (شمال سورية) التي تشهد قصفا بلا هوادة تشنه القوات السورية والروسية منذ انهيار هدنة برعاية واشنطن وموسكو.
ويدعو مشروع القرار الى اعادة العمل بوقف إطلاق النار، وفقا للاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا في 9 أيلول/سبتمبر، بهدف السماح بوصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق إلى المحاصرين في الاحياء الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة، ووقف الطلعات الجوية للطيران الحربي فوق حلب.
ومن المفترض أيضا انشاء "آلية لمراقبة" الهدنة يشارك فيها خبراء من بلدان عدة أعضاء في المجموعة الدولية لدعم سورية. واوضح دبلوماسي ان الطرح الفرنسي لا يكمن "في دفع روسيا الى استخدام حقها في النقض (ضد مشروع القرار)، بل في محاولة كسر الجمود و(وقف) الاتهامات المتبادلة"، مضيفا ان "ذلك لن يكون سهلا".
وواجهت روسيا اتهامات في مجلس الأمن بأنها شاركت في قصف حلب. وتدهورت بشكل ملحوظ العلاقات بين الأميركيين والروس الذين يتبادلون الاتهامات بفشل الهدنة في حلب.
وشددت الولايات المتحدة الجمعة على ان المحادثات مع روسيا في شأن سوريا لا تزال في "العناية المركزة" ولا يمكن نعيها بعد، وذلك بعدما كانت هددت طوال الاسبوع بتجميد المحادثات الثنائية معها.
ولليوم الثالث على التوالي تحدث وزير الخارجية الاميركي جون كيري هاتفيا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الذي لم يعلن ما اذا كان القصف على حلب (شمال) سيتوقف.