بيان هام من وزارة التربية والتعليم بعد دراسة الانتقادات على المناهج..تفاصيل

تابعت وزارة التربية والتعليم بحرص واهتمام ما تداولته وسائل الإعلام ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي حول الكتب المدرسية الجديدة في الأيام الماضية. وقام المتخصصون في الوزارة بدراسة كل ما أفرزته تلك الوسائل ومراجعته، وفي هذا الصدد تبين للوزارة ما يأتي:

لقد وقع الكثير ممن تناولوا موضوع المناهج والكتب المدرسية في خطأ كبير حين قاموا بمقارنة الكتب المدرسية في طبعتها الجديدة لعام 2016م مع الكتب التي طبعت عام 2015م وتم إلغاؤها، إذ ظهر أن الأغلبية منهم لم يقرأوا تلك الكتب ولم يطلعوا على ما فيها من مادة علمية واكتفوا بالشائعات والأحكام المسبقة التي أطلقها البعض أو الأقاويل التي تداولتها بعض وسائل التواصل الاجتماعي لتمرير أهداف أصحاب هذه الأقاويل، متجاهلين أن هذه الكتب جديدة بالكامل وليس تعديلات هنا وهناك كما زعم البعض دون أن يعودوا إلى إدارة المناهج للاستفسار، ولو كان الأمر إدخال تعديلات على كتب قد استقرت لما طرحت للتجريب مدة سنة لأن الكتب عندما تستقر بشكلها النهائي لا توضع عليها عبارة (علما بأن هذه الطبعة تجريبية) وتُطلَب الملاحظات عليها، وعليه فقد ألغيت كتب عام 2015 بعد تجريبها وطرحت كتب جديدة لعام 2016 تستوجب أن تكون تحت التجريب والتقييم مدة عام دراسي كامل ولا تجوز المقارنة بينها وبين الكتب التي تم إلغاؤها بناء على ملاحظات الميدان وإن تشابهت أو تطابقت بعض الموضوعات، وبناء على ذلك فإن إصدار البعض أحكاما ارتجالية بحذف آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة دون النظر الى بناء المناهج والكتب المدرسية كوحدة واحدة أمر غير وارد وليس في محله.

لقد هدفت الكتب الجديدة إلى تطوير مهارات التفكير والتحليل لدى الطلبة والابتعاد ما أمكن عن حالة التلقين والحشو الزائد، وركزت على قيم الأمة وحضارتها ووسطيتها وثوابت عقيدتها الإسلامية وليس كما زعم البعض أنها دخلت في معركة مع القيم الإسلامية وانسلخت عنها.

إن ما مارسه البعض عن قصد أو غير قصد ما هو إلا محاولة تضليل الرأي العام والإساءة إلى وزارة التربية والتعليم ومناهجها ونظامها التعليمي الذي بدأ يخطو خطوات مدروسة في تحسين العملية التعليمية ومعالجة جوانب الخلل التي تحدثت عنها صاحبة الجلالة في كلمتها المتميزة التي ألقتها في حفل إطلاق خطة الموارد البشرية يوم 5/9/2016م، إذ سادت جوانب الخلل تلك عقدين من الزمن كان من نتائجها تخريج آلاف الطلبة ممن لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، وعانى المجتمع من تردي التعليم العام والعالي عقدين متواصلين ولا نزال نعاني من تبعات ذلك التردي، ودفعنا جميعا ثمنا غاليا بسببه. وما قام به أصحاب هذه الحملة غير الراشدة من تضليل وافتراء واضح وما قالته بعض الجهات قد يكون هدفه عرقلة مسيرة وزارة التربية والتعليم في جهودها لتطوير العملية التعليمية التي يشهد لها المنصفون داخل الأردن وخارجه، وذلك خدمة لأهدافهم الخاصة وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه، ودليل ذلك اللجوء إلى العبارات التي لا تليق بالمتعلم وكيل الاتهامات والطعن في أمانة المسؤولين ومحاولة الإقصاء واحتكار الحقيقة وإصدار الأحكام المسبقة من دون منهجية أو أسلوب علمي لإثارة الرأي العام، والزعم بأنهم أوصياء على الدين والله تعالى يأمرنا بالعدل في القول والعمل ( وإذا قلتم فاعدلوا ).
وتعلم الوزارة أنه يوجد فئات كثيرة استفادت من فترات الترهل والتغافل عن التعليم فتجاوزت التشريعات ومارست صورا عديدة من الفساد سواء كان ذلك في الوظائف التعليمية أو الإدارية أو المتاجرة بالامتحانات والتعليم بوجه عام أو تسييس العملية التربوية فبدأت حملاتها لتضليل الرأي العام تجاه كل عملية إجرائية هادفة للضبط والتطوير بدءا من الاحتجاجات على ضبط الثانوية العامة وضبط الانفلات في المدارس العامة والخاصة والمراكز الثقافية وإغلاق جزء منها ومعادلة الثانوية العامة وتطبيق نظام المساءلة وتحويل عشرات الملفات إلى مكافحة الفساد ومنع استبدال الدوسيات بالكتب المدرسية في المدارس الحكومية والخاصة ودمج المدارس وضبط الهدر الإداري فيها وتذويب الزوائد من الذين كانوا يتقاضون رواتب دون أن يقوموا بتدريس أي حصة لسنوات طويلة وتفسير تعريف المعلم الذي أخرج آلاف الموظفين الإداريين من هذا التعريف والبدء بعملية تطهير التربية ممن لا يتفق سلوكهم المهني والأخلاقي مع فلسفة التربية ورسالتها.

وشهدت السنوات الماضية حملات احتجاجية ممن تجاوزوا على التشريعات المنظمة للعملية التربوية مطالبين بعدم تطبيقها واعتصامات مطالبة بمنافع عطلت عملية التعليم وألحقت الضرر بمصلحة أبنائنا الطلبة ويعرف الجميع ذلك جيدا وكان آخر هذه الحملات الظالمة الادعاء بغير حق بأن وزارة التربية والتعليم ألغت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من مناهجها وكتبها المدرسية وتخلت عن قيم الأمة وثوابتها وحضارتها وعقيدتها، لا بل إن بعضهم أخذ يسدي النصائح بالتوبة والعودة إلى الله (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) فأين كانت أصوات هؤلاء حين كانت تنتهك قوانين امتحان الثانوية العامة؟ ولماذا لم نسمع منهم أي احتجاج حول ترهل التعليم وما آلت إليه حاله؟ وهل توظيف الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة في مكانها الصحيح وتوزيعها باتساق بما يضمن ضبط التكامل الأفقي والرأسي داخل المبحث نفسه وبين المباحث جميعها وتكامل مناهج التربية الإسلامية واللغة العربية وتخصيص حصص لتلاوة القرآن الكريم للصفوف جميعها واعتبار حفظ الآيات الكريمة من المهارات الأساسية لتقييم الطلبة وحث الطلبة على التفكير في آيات الله وخلقه وطباعة وتوزيع ما يزيد على مئة ألف مصحف ومثلها من ربع ياسين وجزء عمَّ وتوزيع كتيبات الأحاديث النبوية الشريفة والأدعية على طلبة المدارس، هل كل ذلك ضلالة واستبعاد للدين؟ أو أن شرح الإسلام بوسطيته واعتداله وتسامحه واحترامه للشرائع السماوية الأخرى وتركيزه على حرمة دم الإنسان وحثه على العدل والمساواة بين بني البشر والتسامح فهل يعد ذلك خروجا على الدين الإسلامي الحنيف؟ وهل الحديث عن احترام الرأي والرأي الآخر وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة والطفل واحترامهما خروج على الدين أم توظيف سليم لدين الله الذي جاء للناس كافة؟ وهل يجوز اختزال الدين بوجود اللحية في الصورة أو غيابها وبتغطية الرأس أو عدمه؟ مع اعترافنا بأن ذلك من الدين دون أن نقف أمام حرية الأفراد، وقد وصل الأمر ببعضهم إلى التدليس على الناس بدس عبارة (القدس عاصمة إسرائيل) على أنها واردة في المناهج الأردنية وهو أمر غير صحيح على الإطلاق متناسين أن القضية الفلسطينية مرتكز من مرتكزات فلسفة التربية وأهدافها وأن المناهج الأردنية لن تحيد عن ذلك.

إن الوزارة لتؤكد للجميع أنها حين تؤلف الكتب المدرسية وتحدد مضامينها وتضع أدلتها منطلقة من الإطار العام للمناهج والتقويم والأطر العامة والنتاجات العامة والخاصة للمباحث فإنها تلجأ إلى تكليف أصحاب العلم والخبرة والتجربة ممن يتصفون بالموضوعية والحيادية والاطلاع على التجارب المماثلة، ثم تعرض نتاج هؤلاء على مجلس التربية والتعليم لدراسته ومناقشته، ولا يقر إلا بعد دراسته دراسة وافية والوقوف على أدق تفاصيله والتأكد من مناسبته.
وتؤكد الوزارة أن تأليف هذه الكتب قد تم وفق ما نصت عليه فلسفة التربية وأهدافها المنبثقة من الدستور الأردني والحضارة العربية والإسلامية ومبادئ الثورة العربية الكبرى والتجربة الوطنية الأردنية وفق الأسس الفكرية القائمة على الإيمان بالله تعالى والالتزام بالمثل العليا للأمة العربية وأن الإسلام نظام فكري سلوكي يحترم الإنسان ويعلي من مكانة العقل ويحض على العلم والعمل وأن الإسلام نظام قيمي متكامل يوقر القيم والمبادئ الصالحة التي تشكل ضمير الفرد والمجتمع وأن العلاقة بين الإسلام والعروبة علاقة عضوية ووفق ما ورد في الأسس الوطنية والقومية والإنسانية وما ورد في الأهداف العامة ومبادئ السياسة التربوية التي لا تتغير أو تتبدل بتغير الحكومات والأشخاص.

وإن مضامين هذه الكتب تشكل نقلة نوعية في تطوير المناهج والكتب المدرسية ولا يجوز الاجتزاء من المناهج والنظر إليها نظرة جزئية ضيقة بل يجب أن ننظر إليها بوصفها وحدة واحدة موزعة على صفوف ومراحل دراسية متكاملة، وإن المناهج المبنية على نتاجات التعلم تؤكد أن الكتاب المدرسي ليس المصدر الوحيد للمعرفة وليس شرطا أن تترجم النتاجات التعليمية جميعها داخل الكتاب المدرسي إذ إن النتاجات مرنة يمكن تحقيقها في مواقف تعلمية مختلفة وبمصادر تعلم متعددة مثل دليل المعلم وكتيبات الأنشطة والأنشطة الإثرائية والعلاجية الداعمة لعملية التعلم.

وتؤكد الوزارة أنها لن تسمح لأي فئة كانت بتسييس التعليم والتلاعب بعقول أبنائنا كنز الأمة الثمين وتوجيههم حسب الأهواء وأنها تسير وفق فلسفة التربية وأهدافها حسب ما جاء في الدستور الأردني وقانون التربية والتعليم ملتزمة بإعطاء المعلومة الصحيحة لأبنائنا وبناء عقولهم على التحليل والتفكير اللذين حث عليهما ديننا الحنيف الذي دعا إلى استخدام العقل واللب وأطلق عليهما اسم (الحجر) الذي يحجر المرء عما لا يليق واسم (النهى) الذي ينهى المرء عن فعل ما لا يليق كما دعا إلى التفكير وعده عبادة لتخريج أجيال قادرة على التنافس على الساحتين المحلية والعالمية فالهدف إعطاء أساسيات التربية على عقيدة الأمة وترك باقي المساحة في تربية الأبناء للبيت، ومن ثم فإن تربية الأجيال لا تقتصر فقط على المدرسة وحدها إنما هي مسؤولية مجتمع بأكمله من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة.

وترحب الوزارة بكل رأي أو اقتراح بناء من ذوي الخبرة والاختصاص وأهل الرأي حول الكتب المدرسية الجديدة، وهو ما سيكون موضع اهتمام الوزارة ولجان الإشراف على هذه الكتب وهم نخبة من المختصين ممن يشهد لهم بالأمانة العلمية والموضوعية والحيادية لدراسة بعض الملاحظات والتأكد من مضمونها والتعامل معها بما يضمن تطوير العملية التربوية وفق فلسفة التربية وأهدافها.

وتؤكد الوزارة أننا ماضون في منحى التطوير المستند إلى قيم الأمة الإسلامية وثوابتها وتاريخها وحضارتها والقيم الإنسانية بما يخدم الأجيال القادمة .
ولضمان استمرار هذه الآلية وتمشيا مع توصيات الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية فقد بدأت الوزارة الخطوات التنفيذية لإنشاء المركز الوطني للمناهج والتطوير كمركز مستقل يوظف أحدث الأساليب التربوية في بناء المناهج وتحديثها ويضم نخبة من الخبراء والمختصين الذين سيتولون مهمة وضع المناهج والكتب المدرسية وتقييمها وتطويرها .

( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله )