هل يتحمل الفقراء في الأردن عبء قرض صندوق النقد؟

على مدار السنوات القليلة الماضية، تمكن الأردن من الحفاظ على استقراره الاقتصادي الكلي والقيام بعملية تعديل كبيرة للسياسات رغم البيئة الخارجية الصعبة، والتوترات الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة، ومواطن الضعف الكبيرة، إلى جانب استضافة عدد كبير من اللاجئين السوريين.
وفي هذا السياق بالغ الصعوبة، تمكنت السلطات الأردنية، بدعم من اتفاق الاستعداد الائتماني الذي عُقد مع الصندوق وانتهت مدته في آب (أغسطس) 2015، من تحقيق تقدم في قطاع الطاقة (وخاصة إلغاء دعم المحروقات لتحل محله التحويلات النقدية المباشرة للفقراء)، ونجحت في استعادة مستوى كاف من الاحتياطيات في البنك المركزي.
ورغم ذلك، يواجه الأردن تحديات كبيرة، فالنمو الاقتصادي ما يزال دون المستوى الممكن، والبطالة مرتفعة، ولا سيما بين الشباب والنساء، وأزمة اللاجئين تشكل عبئا على الاقتصاد والموارد العامة، وإجمالي الدين العام مرتفع (حوالي 94 % من إجمالي الناتج المحلي)، والآفاق الإقليمية ما تزال محفوفة بالتحديات،  أبرز الاسئلة التي طرحها الصندوق وأجاب عنها وفقا لرؤية البرنامج الجديد، وفيما يلي نص الاسئلة والاجابات.
لماذا يحتاج الأردن لمساعدة صندوق النقد؟
ولمعالجة هذه التحديات، اعتمدت السلطات برنامجا جديدا متوسط الأجل يعمل على تحسين الظروف لتحقيق نمو احتوائي يشمل شرائح أوسع من السكان. وعلى وجه التحديد، سيتم تنفيذ إصلاحات في عدة مجالات لتحسين التنافسية، وآفاق التوظيف، وخاصة للنساء والشباب، وتعزيز العدالة والإنصاف والحوكمة الرشيدة. وسيدعم الصندوق السلطات في تنفيذ برنامجها. وسيساعد التمويل المقدم من الصندوق في الحفاظ على مستوى كافٍ من الاحتياطيات الدولية، ودعم نظام سعر الصرف، وتوفير التمويل اللازم للواردات مثل الوقود والسلع الغذائية، بالإضافة إلى تشجيع المانحين على تقديم منح وقروض بشروط ميسرة. وبالنسبة للسياسات، سيتيح الصندوق ما لديه من خبرة في هذا الخصوص للمساعدة في تنفيذ رؤية الأردن 2025.
ما هي الإجراءات التي يحتاج الأردن إلى اتخاذها لتنفيذ البرنامج؟

الهدف الرئيسي للبرنامج هو تحسين الظروف لتحقيق نمو احتوائي يشمل شرائح أوسع من السكان.
وسيتطلب تحقيق هذا الهدف الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، مع دفع عجلة الإصلاحات الهيكلية في مختلف المجالات لتشجيع الاستثمار والتوظيف.
يتضمن البرنامج إجراءات في عدة مجالات لدعم التنافسية وآفاق التوظيف، وتشجيع العدالة والإنصاف والحوكمة الرشيدة. وستهدف هذه الإجراءات إلى زيادة المشاركة في سوق العمل، وخاصة للنساء والشباب، وتحسين بيئة الأعمال وفرص الحصول على التمويل، والحفاظ على الإنفاق الاجتماعي، وتحسين المساءلة العامة والحوكمة الرشيدة.
وسيقوم الأردن أيضا بتنفيذ عملية ضبط تدريجي ومطرد لأوضاع المالية العامة، تركز على الإيرادات وإصلاحات تدعم عدالة النظام الضريبي، وإصلاحات مستمرة في قطاع الطاقة والمياه، والهدف من ذلك هو الوصول بالدين العام إلى مستويات أكثر أمنا مع توفير الحماية للفقراء.
ونجحت السلطات من خلال إدارتها للسياسة النقدية في الحفاظ على سعر الصرف المربوط بالدولار، والاحتفاظ بمستوى مريح من الاحتياطيات، وإرساء أوضاع مالية مستقرة، وكلها عوامل مهمة لتحقيق النمو. ومن ثم فسيظل الاحتفاظ بهذه الأوضاع المواتية هو ما تركز عليه السياسة النقدية.
ما مدى مرونة البرنامج الجديد؟
بالنسبة للقرض السابق بموجب اتفاق الاستعداد الائتماني الذي انتهى في آب (أغسطس) 2015، أبدى الصندوق مرونة في مساعدة الأردن على التصدي بصورة أفضل للصدمات المعاكسة غير المتوقعة، بما في ذلك توافد أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين وتوقف إمدادات الغاز من مصر، وعلى وجه التحديد، تم تعديل الأهداف الموضوعة لعجز المالية العامة بما يسمح للحكومة بتغطية التكاليف المباشرة التي تتحملها المالية العامة لاستضافة اللاجئين السوريين. كذلك أدت المنح الإضافية المقدمة من المجتمع الدولي إلى توفير التمويل اللازم لتحقيق مزيد من المرونة في تعديل أوضاع الاقتصاد الكلي.
فعلى سبيل المثال، روعيت المرونة في توقيت سياسات البرنامج، حيث تم تنفيذ بعض الإصلاحات المتفق عليها في وقت مبكر من البرنامج، مثل إلغاء دعم المحروقات وتبديله بتحويلات نقدية مباشرة لمحدودي الدخل، بينما جاء تنفيذ إصلاحات أخرى في وقت متأخر من البرنامج نظرا للوقت الأطول الذي تطلبته للتشاور مع الأطراف المعنية، ومنها التعديلات في قانون ضريبة الدخل.
ويتسم البرنامج الجديد بالمرونة أيضا، فهو مصمم لمساعدة الأردن على تخفيض الدين بصورة تدريجية ومطردة، مع ضمان اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الفقراء، إدراكا لما يواجهه الأردن من بيئة خارجية مليئة بالتحديات، وعلى وجه التحديد، سيتم تنفيذ إجراءات المالية العامة بالتدريج طوال فترة البرنامج البالغة 3 سنوات. والبرنامج مصمَّم أيضا بحيث يضمن عدم تخفيض الإنفاق الاجتماعي، وعدم تأثير إصلاحات المالية العامة على الفقراء.
هل يضيف قرض الصندوق إلى مستويات الدين المرتفعة أصلا في الأردن؟
على العكس، فأحد أهم أهداف البرنامج في الواقع هو تخفيض الدين العام. وسوف تنخفض مديونية الأردن الكلية من نحو 94 % من إجمالي الناتج المحلي إلى مستوى أكثر أمانا يبلغ 77 % من إجمالي الناتج المحلي بحلول العام 2021، كما سينخفض دين الأردن تجاه الصندوق. وسيتحقق ذلك من خلال إصلاحات لدعم النمو الاقتصادي، وضبط أوضاع المالية العامة بالتدريج. وسيسمح التمويل المقدم من الصندوق للأردن بتنفيذ الإصلاحات الضرورية تدريجيا، من خلال المساعدة في الحفاظ على سعر صرف مستقر، وسداد قيمة الواردات الضرورية، وإتاحة وقت أطول للتعامل مع الضبط المالي المطلوب.
وسيكون الدعم المالي من المجتمع الدولي سمة أساسية أيضا في هذه الجهود، مما سيساعد الأردن في تحمل الأعباء المصاحبة لاستضافة عدد كبير من اللاجئين السوريين. وسيكون العمل في إطار برنامج يدعمه الصندوق عاملا مساعدا للأردن في الحصول على المنح والتمويل الميسر من المجتمع الدولي، مما سيساعد بدوره على تلبية احتياجات اللاجئين العاجلة، مع استعادة جودة الخدمات العامة للمواطنين الأردنيين. وكل ذلك يمكن تحقيقه دون زيادة الدين العام.
هل سيتحمل الفقراء في الأردن عبء قرض الصندوق؟
يتضمن البرنامج عناصر اجتماعية تساعد في منع تحمل الفقراء عبء بعض الإجراءات الاقتصادية. وعلى وجه التحديد، ينبغي أن تركز إصلاحات المالية العامة على الإيرادات وإصلاحات النظام الضريبي، مثل إلغاء الإعفاءات الضريبية التي تفيد الأثرياء بصفة أساسية، وإصلاحات قطاع الطاقة والمياه التي ستظل توفر الحماية للفقراء عن طريق استمرار تقديم هذه الخدمات لهم بأسعار في المتناول، ولضمان عدم تأثير الإصلاحات على محدودي الدخل أيضا، يتابع البرنامج الإنفاق الاجتماعي بدقة ويتضمن إجراءات تكفل عدم تخفيض الإنفاق في هذا الاتجاه.
والأهم من ذلك أن البرنامج سيهدف إلى زيادة النمو بصورة احتوائية، أي توفير مزيد من الوظائف والفرص لعدد أكبر من السكان. ولتحقيق هذا الهدف، سيعالج بعض جوانب الضعف الهيكلية التي ساهمت في ارتفاع البطالة وانخفاض المشاركة في سوق العمل، وخاصة بين النساء والشباب. فمن المقرر أن تكثف السلطات جهودها إلى حد كبير لتيسير الحصول على التمويل، وتخفيض تكلفة بدء الأعمال التجارية وتشغيلها، وزيادة الحماية للمستثمرين، وتخفيض الغرامات التي تصاحب الخروج من ميدان الأعمال، وتشجيع إتاحة الخدمات المالية لشرائح سكانية أوسع.
ما وجه الاختلاف بين هذا البرنامج والبرامج الأخرى التي يدعمها الصندوق؟
هناك بلدان كثيرة تواجه تحديات متشابهة، مثل البطالة المرتفعة والصدمات الخارجية المعاكسة، والصندوق لديه خبرة واسعة في كيفية تعامل البلدان مع هذه الظروف وما يعتبر أفضل السياسات والممارسات في أغلب الأحيان، غير أن لكل مجتمع ظروفا فريدة أسفرت عن ظهور هذه التحديات. ولذلك فإن الشعور بملكية البرنامج أمر أساسي لنجاحه، إذ أن كل بلد سيحتاج إلى تطويع السياسات والإصلاحات بما يتناسب مع تحدياته الاقتصادية والاجتماعية. والبرامج النابعة من الداخل والتي تعود ملكيتها الكاملة للسلطات في البلد المعني هي الأرجح أن تُنَفَّذ بشكل فعال وأن تحقق أداء اقتصاديا كليا أفضل.
وفي حالة الأردن، يقوم البرنامج على التحليل المتعمق لمواطن الضعف والقوة حسبما ورد في رؤية 2025. فبناء على ما خرجت به من نتائج وتوصيات، قامت السلطات بتصميم برنامج يراعي خصوصيات الأردن، بما في ذلك البيئة الخارجية المليئة بالتحديات وأهم مواطن الضعف القائمة، بدءا من انخفاض مستوى التوظيف وارتفاع الدين العام. وقد استحدث البرنامج الجديد حدا أدنى للإنفاق الاجتماعي للمساعدة في حماية الفقراء.