قهراً و رغماً عن " اسرائيل "

قهراً و رغماً عن " اسرائيل " ! من العاصمة القطرية الدوحة حيث يقيم الآن ، ومن داخل سفارة فلسطين التي استضافت داخل حرمها ولأول مرة السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ليتحدث في احتفال تضامني بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني ، استمعنا جيدا ، وقرأنا بهدوء كل ما جاء في كلمة أبو الوليد ، فالرجل تعهد ، وتوعد ، وباسم حركة حماس بأن يتم إخراج الأسرى من سجون الإحتلال " قهراً ورغماً عن إسرائيل " ، وأضاف بأن المقاومة قادرة على تحقيق هذا الهدف . "سوف نراهم أحراراً بحول الله رغماً عن المجرم القاتل نتنياهو ، ورغماً عن العصابة الصهيونية المتطرفة والتآمر العالمي ، ويجب على فتح وحماس قلب المائدة على رؤوس العدو من خلال تعزيز الوحدة ، وعلينا أن نفاجىء هذا العدو بموجات من الأداء الوحدوي " ، هذه أيضا بعض المقتطفات من الكثير الذي جاء على لسان الرجل الغني عن التعريف ، وبالتالي ، فإن من حق أبو الوليد علينا أن يكون الحوار والجدل معه بالحسنى وبأعلى درجات التروي والهدوء والموضوعية و المسؤولية الوطنية العامة . ولأننا لا نشكك أبدا في وطنية السيد مشعل ولا نقلل من حرصه الشديد على فلسطين وقضيتها ومعاناة شعبها ،ومن ضمن ذلك كل ما يتعلق بأسرانا الأبطال الذين دخلوا أخيرا في الإضراب المفتوح عن الطعام تنديدا ورفضا لسياسة البطش والقمع التي تمارسها بحقهم " إسرائيل " ، فإن من حقنا عليه ومقابل هذهالتصريحات أن ينصت لنا ، و أن يستمع وبأعلى درجات الإهتمام والمسؤولية لكل ما يتحدث به أبناء شعبنا ، وأحراره ومثقفيه ، ولأننا لا نعتقد أن مسؤولا وبموقع السيد مشعل سيقبل على نفسه أن يأتي حديثه في إطار وخانة الترويج والإستهلاك و الإستعراض الإعلامي الذي لا يقدم ولا يؤخر . قبل بضعة أيام أيضا ومن على أرض الدوحة خطب السيد مشعل في مهرجان القدس الرابع الذي نظمه الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين حيث أطلق العنان للتهديد والوعيد قائلا بأن على العدو الصهيوني أن " يحسب ألف حساب لماهو قادم " ، وطالب الحضور بأن لا يملوا أو ييأسوا من الخطابات ، وأن عليهم تقدير صعوبات الوضع الخارجي والداخلي الذي تمر به القضية الفلسطينية ، وعلى وجه الخصوص ذلك المتعلق بملف المصالحة ، والتأخير الحاصل على ولادتها ، والذي أعاق الإعلان عن قيام حكومة الوفاق الوطني برئاسة أبو مازن الذي وافق بموجب إتفاق الدوحة على ترأسها ، خصوصا و أن الكثيرين قد راهنوا على أن خطوة تشكيل هكذا حكومة سوف يساعد على فتح أبواب كثيرة لازالت مغلقة في وجه تحقيق الوحدة الوطنية الشاملة بين مختلف فصائل وحركات وأحزاب النضال الوطني الفلسطيني . وبالبناء على ما سبق ، فإننا نقول للسيد مشعل بأنه لو أعاد قراءة تصريحاته الساخنة ، وكلامه الذي ورد في الخطابين وقارن بين ما قاله و تعهد به ، وبين المؤلم و المؤسف الذي يجري ويحدث على أرض الواقع الفلسطيني وعلى صعيده الداخلي تحديدا ، لأدرك بسهولة ويسر حجم ومقدار المهمات والإنجازات التي يجب النهوض بها داخليا وذلك حتى نقترب ولو قليلا من امتلاك المقدرة اللازمة والضرورية لتنفيذ جزء مما جاء في هذه التعهدات والوعود التي قطعها و بعظمة لسانه نيابة عن حركة حماس التي كان يتحدث باسمها . وحتى لا ندخل في دوائر الحديث المألوف والمكرور عن الحالة المزرية التي يعاني منها البيت الفلسطيني ، فنحن على يقين بأن السيد مشعل على علم و دراية بكل ما يتعلق بأوضاع منظمة التحرير وموتها السريري ، وعن السلطة وطريقها العبثي ، وعن المؤسسات التشريعية المعطلة والمغيبة ، وعن الخلاف والإنقسام ، و عن الهبوط الحاصل في السقف الوطني عموما ، فكيف يمكن لسيادته أن يقنعنا بوجود الإمكانية لتحقيق جزء بسيط مما جاء على لسانه من تهديدات في ظل هذا التردي ، و هذه الأزمات الصعبة التي تعصف و بلا هوادة بجدران و أساسات هذا البيت ؟. الحماس وحده ما عاد يجدي ، فهذه العناوين وغيرها تتلاقى فيما بينها لتصنع هذا العجز والضعف الموضوعي والذاتي الذي تعاني منه حركة النضال الوطني الفلسطيني وبكل مكوناتها ، وهذا ما يجب على الجميع و بلا استثناء الإعتراف و الإقرار به ، و غياب و فقدان و تعطيل الوحدة الوطنية هو خير شاهد و دليل ، و ما دمنا على هذه الحال فلن يرى شعبنا الفلسطيني يوماً أبيضاً في حياته ، بل سيبقى يتنقل بين المآسي والآلآم الذي يخلقها عدونا الغاصب الذي ما كان ليستطيع أن يقدم على تنفيذها لولا هذا التفكك والتشرذم والكيل الفصائلي الذاتي المقيت الذي يدخل من خلاله ويرتكب كل جرائمه بالإستناد إليه . من يتحدث عن قهر و إرغام العدو الصهيوني يجب عليه ان يستند إلى واقع عملي برغماتي نابع من الأداء الميداني اليومي ، و هذا ما يحتاجه شعبنا و يبحث عنه ، فالمقدرة لا يمكن لها أن تولد من الفراغ والعدم ، والصدى النظري للخطابات لن يساعد في إطلاق سراح معتقل واحد من سجون الإرهاب الصهيوني ، و تجربة شعبنا الكفاحية الطويلة تحت راية كل قواه الوطنية التي ناضلت ، و ضحت ، و قدمت اللحم و الدم رخيصا من أجل فلسطين تشير و تؤكد على أن هذا الشعب قادر و متمكن إذا ما توفرت له الإمكانيات و تهيأت في سبيل كفاحه الظروف . هذا هو التحدي ، و هنا يتجلى المحك الذي يجب على القادة إختبار أنفسهم و همتهم على صعيده ، و في ميدان النضال يظهر التمايز و العطاء و نبذ الذات و شهواتها الدنيوية ، هنا تكون العظمة و الشجاعة التي تفرض نفسها على عدوها فيخاف منها و يحسب لها ألف ، و هذا ما يمهد الطريق أمام إنجازات يتحدث عنها التاريخ ، و عندها فقط يصبح للكلام عن قهر و إرغام " إسرائيل " قيمة و جدوى ، و عندها سوف يشعر معتقلينا الأبطال بإنتصارهم في معركة الجوع التي يواصلون تسطير صفحاتها ! د.امديرس القادري