لماذا تحدث الاختناقات المرورية دون سبب؟
إذا كنت تقود على الطريق السريع، فلا بد أنك عايشت أوقاتاً تصبح فيها حركة المرور بطيئة قبل أن تتوقف بالكامل. وبعد عدة دقائق، تعود الحركة من جديد، وبعد ذلك فجأة تجد نفسك تتحرك بالسرعة الكاملة، دون أن يكون السبب في ذلك وجود إنشاءات أو إصلاحات في الطريق، أو وقوع حادث، كما لا يوجد أي تفسير آخر محتمل لهذا الازدحام المفاجئ، فلماذا يحدث؟
استخدمت مجموعة من الباحثين الحسابات الرياضية والتجارب العملية الواقعية في محاولة للإجابة عن هذا السؤال، وهم يظنون أنهم قد توصلوا لها بالفعل، كما توصلوا إلى طرق مقترحة لحل هذه الاختناقات المرورية المفاجأة بحسب موقع Vox الأميركي.
لماذا تحدث تلك الظاهرة؟
إذا كان الطريق ممتلئاً بالسيارات، فأي اختلال طفيف في تدفق المرور من الممكن أن يسبب سلسلةً من ردود الفعل تتضاعف ذاتياً.
على سبيل المثال، تهدأ سيارة من سرعتها بدرجة قليلة باستخدام الفرامل، فتهدأ السيارة التي تليها سرعتها بشكل أكبر لتجنب الاصطدام بها، وينتقل الأمر تدريجياً، ما يؤدي في النهاية إلى توقف أو بطء حركة المرور.
ويقول أستاذ الرياضيات بجامعة تمبل الأميركية بينجامين سيبولد والذي شارك في البحث عن أسباب تلك الظاهرة، "تنشأ تلك الموجة من الازدحام المروري نتيجة لاضطرابات صغيرة في تدفق حركة المرور، مثل وجود عثرة في الطريق، أو أن يستخدم أحد السائقين الفرامل بشكل مفاجئ".
وحتى بعد أن تغادر السيارات موقع ذلك الاختناق المروري، لا يختفي ذلك الاختناق، بل ينتقل تدريجياً إلى الخلف، بعكس اتجاه تدفق المرور.
ويقول سيبولد، "يمتد طول تلك الاختناقات بين 100 إلى 1000 متراً، وغالباً ما تبدأ بوجود سيارات تسير بسرعات كبيرة في البداية، قبل أن يحدث انخفاض في السرعة، ثم بعد ذلك، يبدأون في زيادة السرعة من جديد".
وشارك سيبولد مع باحثين آخرين في التوصل لفكرة تلك الموجة (يطلقون عليها اسم "جاميتونس"، إذ أنها تشبه موجات فيزيائية تسمى السلتون)، مستخدمين خوارزميات الكمبيوتر التي تحاكي سلوكيات القيادة.
باحثون يابانيون أجروا أيضاً تجارب واقعية توصلت إلى النتيجة ذاتها. في أحد تلك التجارب، طلبوا من 22 سائقاً أن يسيروا بسرعة واحدة (18.6 ميل/الساعة)، وأن يحتفظوا بمسافة ثابتة بين السيارات على طريق دائري صغير، لتتكون موجات الاختناق المروري بعد ذلك.
السرعة دون سبب
بطريقة ما، يبدو أنه من المنطقي أن نلوم سائقين بعينهم على تلك الاختناقات المرورية الوهمية. تشير التجارب إلى أن نسبة حدوث هذه الاختناقات تزداد عندما يقود السائقون بسرعات عالية، إذ يضطرون في النهاية للفرملة لتجنب الاصطدام بسيارة ما أمامهم، وهو يبدأ تلك السلسلة من التوقف.
يقول سيبولد، "إذا رأى السائقون اختناقاً مرورياً قادماً، ورفعوا أقدامهم عن ضاغط الوقود مبكراً وتركوا مساحةً أكبر أمامهم بدلاً من الانتظار إلى اللحظة التي ينبغي فيها استخدام الفرامل، فيمكن أن يمنع ذلك ظهور تلك الاختناقات المرورية".
أحد الطرق التي فكر فيها عالم الكمبيوتر بيثولد هورن من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والذي عمل على الموضوع ذاته، هي أن يحاول السائق مواصلة القيادة بحيث يكون في منتصف المسافة تحديداً بين السيارة التي تسبقه والسيارة التي تليه، وهو ما يعني تجنب استخدام الفرامل بشكل مفاجئ قدر الإمكان.
في المقابل، هذا النوع من التغير السلوكي لا يقضي على مشكلة الاختناقات المرورية الوهمية بالكامل، فهو بالكاد يقلل من احتمالات حدوثها، لكن إذا كان هناك ما يكفي من السيارات على الطريق، وحتى في حال تعامل السائقين مع الأمر بأفضل ما لديهم، ستنشأ تلك الظاهرة أيضاً.
يقول سيبولد، "نميل للاعتقاد بأن السبب هو سائق بعينه، لكن التجارب تؤكد أنه حتى إذا استخدم جميع السائقين القواعد ذاتها، ولم يرتكب أحدهم أي خطأ، فمن الممكن أن تنشأ تلك الاختناقات أيضاً".
هذه المشكلة في حد ذاتها تحدث أينما كان هناك عدد كبير من السيارات على طريق سريع. لذلك، فالطريقة الوحيدة للتخلص منها ربما يتضمن أن تكون السيارات آلية القيادة.
حل ظاهرة الاختناقات المرورية الوهمية
على المدى القريب، هناك بعض الأشياء التي يمكن أن يفعلها المهندسون للحد من تلك الاختناقات المرورية.
من بين الحلول المقترحة أن يكون الطريق مستقيماً وممهداً قدر الإمكان، وهو ما يقلل من فرصة حدوث المشكلة، إذ يعني ذلك أن السائقين لن يضطروا لاستخدام الفرامل بشكل مفاجئ سوى في مناسبات قليلة.
تُنشأ الطرق السريعة بالأساس على أن تكون مستقيمة قدر الإمكان، وبالتالي فمن المطلوب الحفاظ على الطرق الحالية التي لها تلك المواصفات.
تنوع السرعات
من بين الأفكار الإبداعية أيضاً - بحسب سيبولد -، استخدام حدود متنوعة للسرعة على الطريق، وهو أمر غير مطبق سوى في أماكن قليلة في الولايات المتحدة إلا أنها تستخدم لغرض مختلف وهو تغيير السرعات على أساس حالة الطقس.
ومن خلال استخدام لافتات إلكترونية، يمكن تخفيض حد السرعة في المنطقة التي تقود ذلك الازدحام المروري، وبالتالي تقل سرعة السيارات تدريجياً، بدلاً من أن تنخفض بشكل مفاجئ. في بعض الحالات، قد يكون ذلك سبباً في حل المشكلة.
القيادة الآلية
يرى سيبولد أن الحل الشامل لتلك المشكلة هو السيارات ذاتية القيادة، لأن لها القدرة على التحكم في سرعتها بدقة أكبر واستخدام بيانات عن حركة المرور على مدى أميال، وهو ما يعني أنها ستكون قادرة على توقع بطء حركة المرور بشكل أكثر كفاءة من البشر.
عندما تستخدم سيارة ما الفرامل بشكل مفاجئ على سبيل المثال، فمن الممكن أن ترسل إشارة إلى جميع السيارات على مدى ميل خلفها، وتطلب تخفيف السعر بشكل تدريجي، بدلاً من أن يتوقفوا بشكل مفاجئ عندما يصلون لتلك النقط وتحدث المشكلة. نظرياً –على الأٌقل- سيجعل ذلك من حركة المرور أكثر كفاءة وسيقضي على الاختناقات قبل أن تحدث.