قمة بطرسبورغ الروسية التركية: لا مؤشرات لفكفكة شيفرة الحل السوري
تركيا ستبقى أطلسية. وعلى الرغم من تباينات لا تذكر ستبقى اجندتها أطلسية. و "حزب العدالة والتنمية" بصفته تجليا للإسلام السياسي التركي يشاطر الغرب رؤيته لسورية وللمنطقة العربية عموما كسوق للمنتجات ومجال حيوي بمفهوم جديد. وزلزلة الشمال السوري لم تتأت لفصائل المسلحين إلا استجابة للسياسة التركية. أمّا ما يمكن أن يكون مقدمة لإزاحة تركية في الشأن السوري، بعد لقاء الرئيسين الروسي والتركي، فلا يتوقع ان يتجاوز ما عبر عنه المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، أول من أمس الثلاثاء، حين قال إن اللقاء تركز على وقف الاشتباكات، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى حلب، وتحقيق مرحلة الانتقال السياسي، والحفاظ على وحدة التراب السوري.
لكن كيف يمكن ان يتحقق الانتقال السياسي؟ يتساءل المراقبون، بينما تشكل تركيا رئة الفصائل المسلحة على اختلافها؟!
حتى في إجابته التي تعبر عن الانخراط كليا في الشأن السوري يقول المتحدث التركي: هناك اختلاف في الآراء بين (روسيا وتركيا) حول مصير رئيس "النظام" السوري بشار الأسد، وكيفية تحقيق عملية الانتقال السياسي، وإيقاف الاشتباكات، وحماية وحدة الأراضي السورية.
بعد ذلك ما الذي يمكن أن يشكل إزاحة في موقف أنقرة، التي قال متحدثها الرئاسي: ان هذه الأمور سيبحثها وفدا البلدين بالتفصيل؟
لا ينسى المتحدث التركي، ان ينتقد الرؤية الأميركية في سورية، آخذا عليها "اقتصارها مكافحة الإرهاب على تنظيم "داعش" فقط"، معيبا على واشنطن، أنها ترى في "نظام الأسد ومستقبله والهجمات ومقتل المدنيين، قضية ثانوية".. هذا الموقف، يعتبره المراقبون "أكثر عداء من الموقف الاميركي، وهو ما يسند حرب الفصائل المسلحة والارهابية ضد الجيش السوري".
يوضح المتحدث التركي ان "الذي يغذي "داعش" والمجازر في سورية هو استمرار بقاء النظام، لذلك فإن تجاهل النظام والتركيز على "داعش" فقط استراتيجية خاطئة". ويرى مراقبون أن لسان حال المتحدث التركي، يقول ان "محاربة" الارهاب تعني شمول الجيش السوري بهذه الحرب لإنهاكه على طريقة ما حدث في العراق بعد حل جيشه، وإسقاط الدولة ومؤسساتها برمتها.
بيد أن مراقبين آخرين يرون في تصريحات الرئيس التركي، عشية قمته مع نظيره الروسي من انه "لا يمكن أن يوجد حل في سورية دون روسيا" "براغماتية لا تقدم ولا تؤخر في طبيعة الموقف التركي الرئيسي في الحرب السورية.
لكن للاقتصاد مفاعيله، التي يراها المراقبون "محركا رئيسا لبراغماتية انقرة وموسكو"، اذ اعلن الرئيس الروسي "ان تركيا وروسيا ستعاودان استهداف الوصول بحجم التجارة الثنائية الى 100 مليار دولار سنويا"، والمضي قدما في "مشروع بناء خط انابيب نقل الغاز (السيل التركي) الواصل من روسيا الى تركيا، ومن الاخيرة الى اوروبا، "ما يعني الاسهام بشكل كبير في حل او تخفيف الازمة الاقتصادية التركية، وكذلك على صعيد ملف الارهاب، فالتقارب مع روسيا سيساعد بشكل كبير في هذا الصدد اذا وضعنا في عين الاعتبار العلاقات الروسية العميقة جدا مع حزب العمال الكردستاتي، وحلفائه في سورية".
فقمة بوتين اردوغان، يرى المراقبون انها "لا تفك السر السوري لكنها ترمّم الاقتصاد ببطء"، لافتين الى ان "بوتين الذي ينتظر ان يقطف بالاقتصاد ما ينتظره من السياسة التركية، حرص على التأكيد خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي على رغبات متعددة لديه، منها الرغبة في عودة العلاقات، والرغبة في الوصول إلى مقاربة مشتركة تخص الأزمة السورية، وهي مقاربة لم تكن موجودة من قبل مع الاتراك، رغم التفاهم على ضرورة إرساء السلام في هذا البلد، وعودة الديمقراطية.
وقال بوتين: "سنتبادل المعلومات وسنبحث عن الحل"، مضيفاً أن "تركيا تشاطر روسيا تفاهماً بشأن ضرورة مكافحة الإرهاب".
وقال الرئيس الروسي بأن مقاربات بلاده من سبل التسوية في سورية "لم تكن تتطابق دائما مع المقاربات التركية في السابق"، لكنه شدد على أن لـ"موسكو وأنقرة هدفاً مشتركاً في هذا السياق، هو تسوية الأزمة السورية، مشدداً على أنه "انطلاقاً من هذا الموقف المشترك سنبحث عن حل مشترك مقبول".
من جهته، قال أردوغان، إن "العلاقات التركية ـ الروسية، ليست فقط العلاقات الاقتصادية والتجارية. نحن نأمل أيضا بأن تطبيع العلاقات، سيجلب السلام والاستقرار في الإقليم"، موضحاً أن الجانبين "ورغم اختلاف وجهات نظرهما حيال الأزمة السورية، إلّا أنهما متفقان على أنّ حل هذه الأزمة لن يكون إلّا بالطرق الديمقراطية".
لكن المراقبين يتساءلون : كيف يمكن ان يكون الحل سلميا ديمقراطيا للصراع، فيما سيل السلاح والعتاد والمقاتلين يتدفق من تركيا الى سورية؟
ردا على هذا التساؤل يتداول المراقبون، من يعني "ازاحة تركية ستحدث ببطء نحو الملف السوري، كما الاقتصاد الذي كان الهاجس الاكبر لقمة بطرسبورغ" .
اما الخاسرون نتيجة هذه الاستدارة التركية اذا ما حدثت، فستكون "فصائل المسلحين" عموما وفي مقدمتهم "جبهة النصرة" التي تقود الفعل العسكري عموما في مواجهة الجيش السوري.
صحيفة "دي سايت" الألمانية، اعتبرت أن أردوغان بزيارته إلى روسيا، إنما نشد الحصول على دعم بوتين، ويريد الاقتراب من الروس أكثر، ولا سيما على خلفية إيواء الولايات المتحدة فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة وجماعته بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل في تركيا، مشيرة إلى توقيت هذه الزيارة في ظل "العلاقات العدائية بين أنقرة وألمانيا والاتحاد الأوروبي ككل في الوقت الراهن".
المراقبون يقرأون في الحرص والحذر في التعامل مع نقاط الخلاف بين موسكو وأنقرة "انعكاسا لحرص الجانبين على تجاوز العديد من نقاط الخلاف، وإعادة العلاقات ليس بالضبط كما كانت عليه قبل الأزمة، وليس بالضبط وفق المعايير القديمة، وإنما وفق معايير وآليات جديدة تتطلب مرونة وبراغماتية. وهنا لا يمكن أن يتوقع أحد شكل هذه العلاقات أو مداها أو عمقها. ومن الممكن أن تفوق النتائج كل التوقعات في ظل الغضب التركي من أوروبا والولايات المتحدة، والتحدي الغربي لإردوغان نفسه، وحرص روسيا على التعامل ببراغماتية ووضوح، وإصرارها على استخدام كل الأوراق الممكنة لدعم وجهات نظرها وتصوراتها الإقليمية والدولية".
وقالوا ان الرئيس التركي لم يغير موقفه من سورية عموما، ومن مصير الرئيس الأسد على وجه الخصوص. وهو ما أعلنه مرتين عشية زيارته إلى روسيا عبر حوارين مختلفين مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، ووكالة أنباء "تاس" الروسية. ومع ذلك، يرى المراقبون ان "موسكو غير يائسة، وغير متشائمة، لأن تركيا ما قبل محاولة الانقلاب لم تعد تركيا بعدها، وإردوغان قبل المحاولة، لم يعد إردوغان قبلها. وبالتالي، فموسكو تعول على جملة من الأوراق والإجراءات والعوامل الاقتصادية والسياسية والأمنية. وربما تكون كل هذه الأمور هي التي دفعت الإدارة الأميركية إلى اتخاذ قرار بإرسال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 24 أغسطس الحالي إلى أنقرة".
وكانت وزارة الخارجية التركية قد أعلنت في وقت سابق الأربعاء عن إنشاء آلية مشتركة بين البلدين حول سورية بمشاركة دبلوماسيين وعسكريين وموظفي استخبارات، مشيرة إلى أن أول اجتماع في هذا الإطار سيعقد اليوم الخميس في سان بطرسبورغ.