تركيا : خيار الإطاحة بالأسد يتراجع أمام خيار تحسين العلاقات مع سورية
في مؤشر قوي على أن تركيا بدأت بالفعل تعيد حساباتها بمنطق المكسب والخسارة في العلاقات مع دول الجوار الإقليمي، وفي مراجعة لما جنته من سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي ورطّت أنقرة في أكثر من ملف، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أمس إن بلاده تهدف إلى تطوير علاقات جيدة مع سورية والعراق.
وأضاف أن البلدين بحاجة إلى الاستقرار حتى تنجح جهود مكافحة الإرهاب، لكنه لم يوضح كيفية تحسين تلك العلاقات خاصة مع سورية التي تدعم تركيا جهود إطاحة نظامها الحالي. ولطالما كانت تركيا من أشد معارضي الرئيس السوري بشار الأسد وتقول إن سورية لن تستقر سوى برحيله.
وقد وضعها هذا الموقف في خلاف مع روسيا حليفة الأسد، وأبعدها عن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يركز بشكل أكبر على محاربة تنظيم "داعش" وتحديدا من خلال دعم واشنطن لقوات سورية الديمقراطية التي تمثل ائتلافا عسكريا يضم عربا وأكرادا.
ولم تخف أنقرة مخاوفها من أن يتشكل كيان كردي في سورية يكون شوكة في خاصرتها ويحفز أكرادها في جنوب شرقها على الانفصال، وهو ما دفعها بالفعل الى الخيار العسكري في التعامل مع ما تعتبره خطرا بقصفها مرارا للمناطق التي يسيطر عليها الأكراد بدعوى محاربة تنظيم داعش.
وصحيح أن تركيا توجه ضربات للتنظيم المتطرف في سورية إلا أن عينها على الأكراد.
ومنذ تولى يلدريم منصبه في أيار (مايو) قال مرارا إن تركيا بحاجة "لزيادة أصدقائها وتقليص أعدائها" في اعتراف ضمني في ما يبدو بأن السياسات السابقة كانت سببا في تهميش أنقرة.
وقال في تصريحات بثها التلفزيون على الهواء مباشرة "هذا هو هدفنا الأهم والذي لا يمكننا الرجوع عنه، وهو تطوير علاقات جيدة مع سورية والعراق وكل جيراننا حول البحر المتوسط والبحر الأسود".
وتابع "قمنا بتطبيع العلاقات مع روسيا وإسرائيل وأنا واثق أننا سنطبع العلاقات مع سورية أيضا. ولكي تنجح المعركة ضد الإرهاب ينبغي أن يعود الاستقرار إلى سورية والعراق".
وأسس تنظيم داعش الذي يسيطر على مناطق من سورية والعراق شبكة عبر الحدود في تركيا ألقيت عليها مسؤولية سلسلة من التفجيرات الانتحارية التي استهدف بعضها سياحا أجانب.
وأعلنت تركيا في حزيران (يونيو) إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بعد قطيعة استمرت ستة أعوام، وعبرت عن أسفها لروسيا بشأن إسقاط طائرة حربية في مسعى لإصلاح تحالفات شابها التوتر. وأصر مسؤولون على أن هذه الخطوات لا تمثل تغيرا على نطاق أوسع في السياسة الخارجية لأنقرة.
لكن مسؤولا تركيا قال بعد تصريحات يلدريم "في الوقت الراهن لا يوجد أي تغيير في سياسة تركيا بشأن سورية. تركيا لا تريد مشاكل مع أي من دول المنطقة، وتشدد على أهمية القضاء على الإرهاب، وكذلك على التعاون الوثيق من أجل الاستقرار الإقليمي".
وأضاف "بالطبع تريد تركيا تطبيع العلاقات مع سورية، لكن لا تغيير في سياستها فيما يتعلق بسورية في وجود الأسد".
وعلى اثر التفجيرات التي هزت تركيا في 2015 و2016 وتبنى معظمها تنظيم داعش، أعادت تلك الاعتداءات الى دائرة الضوء الحصيلة الثقيلة لسياسة أردوغان حيث راهن على تنظيمات متطرفة يعتقد أن من بينها "داعش" لنشر الفوضى بالمنطقة بما يخدم جماعات الاسلام السياسي ويعيد ترتيب أوراق الحكم فيها.
ويرى محللون أن الرئيس التركي ورط بلاده في أزمات كانت في غنى عنها، وأن بلاده تجني اليوم ثمار دعمه لجماعات متطرفة في سورية.
وأشاروا إلى أن تولي بن علي يلدريم رئاسة الحكومة يأتي ضمن مراجعات شاملة لسياسة تركيا الخارجية خاصة في ما يتعلق بالعلاقات مع دول الجوار.
وليس واضحا كيف يمكن لتركيا أن تطبع العلاقات مع سورية في ظل حكم بشار الأسد وهي الداعمة لرحيله وفي نفس الوقت تريد تحسين العلاقات مع دمشق.
والتناقض في المواقف التركية يعكس في جانب منه مدى الإرباك الذي تشهده تركيا كما يعكس فشل السياسات التركية.
ويعتقد محللون أن المراجعة المحتملة والرغبة في تحسين العلاقات مع سورية مردها خوف أنقرة المتنامي من كيان ردي على تخومها مع ما يحققه الأكراد المدعومون من الولايات المتحدة من مكاسب ميدانية على الأرض في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية.
ويعتقد أيضا أن تركيا التي فقدت السيطرة على ما يبدو على جماعات إسلامية متطرفة احتضنتها بشكل أو بآخر، تبحث اليوم احتواءها لكن بأقل الخسائر الممكنة.
وتسببت سياسة أردوغان في توتير العلاقات مع العراق بسبب التدخلات السافرة في شؤونه وانتهاك سيادته بدعوى المساعدة في الحرب على "داعش" من جهة، والتوغلات والغارات التي يشنها الجيش التركي على معاقل حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية دون تنسيق مع الحكومة العراقية.
ولم يكشف يلدريم سبل إقامة علاقات جيّدة مع العراق، إلا أنها في كل الحالات اقل تعقيدا من اعادة تطبيع العلاقات مع سورية.