بالتفاصيل ...جريمة كل 21 دقيقة في الأردن
تتصاعد وتيرة العنف باشكاله المختلفة، وهو ما يظهره التقرير الإحصائي الجنائي الذي تصدره إدارة المعلومات الجنائية في مديرية الأمن العام حول المعدل الزمني لارتكاب الجرائم، وقوع جريمة كل 21 دقيقة و41 ثانية في الأردن 'بشكل عام' وبمختلف انواعها، وكذلك في كل ساعة و8 دقائق و47 ثانية تقع جريمة جنائية في المملكة، في حين تقع 'جريمة جنحوية' كل 31 دقيقة و 40 ثانية.
عبدالله ملحم في العقد السادس من العمر عبر عن استيائه من تزايد حالات العنف خلال شهر رمضان المبارك، بخاصة انه شهر عبادة يصون النفس البشرية من الاخطاء ويحصنها من أي زلات، لافتا الى ان ما يحدث لم يكن مألوفا داخل المجتمع الاردني، الذي يحمل قيما اجتماعية أصيلة يفترض ان تبعده عن المشاحنات والمشاجرات.
ويؤكد ملحم الدور الذي يمكن أن تؤديه الاسرة والمدارس والجامعات في توعية الأبناء الى جانب المسجد الذي عليه دور تنويري في تأصيل قيم التعاون والمحبة وتقبل الآخر بعيدا عن لغة العنف التي تؤثر على النسيج الاجتماعي للمجتمع الاردني.
ويرجع أستاذ علم الاجتماع والجريمة في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين، هذه الامور الى أننا أبناء ثقافة لا تعزز قيم الحوار في أغلب الأحيان، حيث يركز الفرد فيها على قيم المغالبة التي ترجع لجذور عقلية الفارس في الصحراء، مبيناً أن عناوين العنف متداولة في حياتنا (عنف اقتصادي، عنف اجتماعي، عنف لفظي،...)، وعليه يرى أن هذه الأنماط من الثقافة نتشربها من مؤسسات التنشئة المختلفة بداية بالأسرة وكيفية تقسيم العمل والأدوار بداخلها، وهي ليست عادلة بالمعنى الإنساني، إضافة إلى التمييز بين الذكر والانثى، ومن ثم تنتقل السلوكيات من مؤسسات التنشئة إلى المؤسسات اللاحقة مثل المدرسة والجامعة وانتهاء بوسائل الإعلام، التي يفترض تطوير وديمومة أدوارها التنويرية التي من شأنها تعميق قيم القانون والمؤسسات واحترام الآخر في مجتمع أردني نعتز بتعدديته.
ويشير إلى ضرورة تطوير وتحديث مضامين وأدوات الخطاب الديني، بما يعزز حضور كل من المسجد والكنيسة في الحياة المعاصرة، لا سيما ما يرتبط بالرسائل التي يفترض أن يتم التحاور مع الشباب بخصوصها، والتي ينبغي ان تستند الى 'الحوار بالتي هي أحسن' إلى جانب الإصغاء إليهم دون التفكير والتخطيط بالنيابة عنهم.
ويوضح محادين أنه لا بد من التوقف عند إطالة أمد التقاضي والتجاذب بين القانون المدني والأعراف العشائرية، وضعف أدوات الضبط الداخلي لدى العديد من المواطنين الأردنيين، ممثلة في تراجع الوازع الديني وتسيد القيم الفردية، وضعف مضامين الضمير الفردي الذي يضبط ويوازن سلوك الأفراد والجماعات في المجتمع.
ويقول، من المؤلم التركيز على تشديد العقوبات وتغليظ الروادع، معتبرا أنها لا تؤدي إلى تقويم السلوك كما يجب، إذ أن ثنائية الضبط الداخلي والخارجي كالساقين في جسد المجتمع، يقودان إلى السلوك والطرح المتوازن بصفة عامة.
وحول أبرز الحلول لمشكلات تزايد العنف يبين محادين ضرورة ترجمة مضمون 'الحوار بالتي هي أحسن'، وتعزيز قيم التسامح وقبول الآخر لتقوية المجتمع الأردني، ومؤسساته تحت مظلة المواطنة بالمعنى القانوني والدستوري، إضافة إلى دور الأسرة في تطوير وتعديل بعض المفاهيم وخاصة بعد دخول التكنولوجيا التي عملت على تفتيت الحوار داخل الأسرة مقارنة بصعود القيم الفردية والحريات الشخصية، ما أضعف النسيج الاجتماعي للأسرة والمجتمع بوجه عام.
ويعد الخبير الاقتصادي والسياسي زيان زوانة، ان الجانب الاقتصادي عامل أساسي في عملية إثارة القلق لدى مختلف المجتمعات بصورة عامة، وذلك يتمثل عندما يكون الفرد قلقا على دخله ومستوى معيشته ولا يشعر بالاطمئنان في استمرار دخله، إلى جانب معاناته من تفاوت الدخول وغيرها، الأمر الذي يؤدي بمجمله إلى شعوره بالاحتقان، إضافة إلى العديد من الأمراض المجتمعية بوجه عام.
وحول تزايد حالات العنف في شهر رمضان المبارك، يرى زوانة أن الضغوط الاقتصادية التي تترتب على الفرد نتيجة ازدياد متطلباته المعيشية في هذا الشهر من أهم أسباب وقوع المشكلات المختلفة، لافتاً الى أنه عندما يشعر الفرد بعدم قدرته على توفير متطلبات أسرته وخاصة في رمضان، ينتج عن ذلك ظهور العديد من ردود الأفعال المختلفة يكون العنف أبرزها، كما ان عدم شعور الفرد بالرضا أمام عدم تكافؤ الفرص وعدالتها، وشعوره بأن بعض صناع القرار لا يمثلونه ولا يعملون في صالحه، قد يؤدي إلى العديد من ردود الأفعال السلبية.
ويلخص زوانة الحلول التي يمكن أن تحد من تزايد حالات العنف بصورة عامة ولاسيما في هذا الشهر في تبني الحكومة سياسات اقتصادية عادلة تعمل على تحسين الوضع المعيشي والاقتصادي للمواطن عبر مختلف الوسائل، إضافة إلى تطبيق سيادة القانون بالشكل اللازم والمطلوب وفق أسس منظمة ومدروسة وعادلة.