أحداث ذيبان .. من يتحمل المسؤولية ؟

تتجلى الحنكة والحكمة دوما في ابهى حللها وصورها خلال الاوقات الصعبة والصعبة فقط.. وتظهر معادن الرجال الحقيقية في الازمات والشدائد، ودون ذلك يكون الحكم على رجاحة العقل والحكمة ضعيفا ومشكوكا فيه، ولا يأخذ العاقلون بمدعيها محمل الجدية.

ما حدث في ذيبان بالامس، كادت الحكمة خلاله ان تفقد بوصلتها ، وسط ضجيج اندفاع حكومي لم يكن زمانه ولا مكانه وطريقته مناسبة من جهة، وبين ردود افعال غاضبة تجاوزت بعضها خطوط الاعراف الوطنية المسلم بها اردنيا ومحرم على الاردنيين تجاوزها من جهة اخرى.

وتطايرت "بيانات" تراشق فيها محتجوا ذيبان والدرك ومصادر رسمية.. كل طرف يحمل فيها الاخر مسؤولية ما جرى، لن تتطرق لها "جراءة نيوز" باستفاضة، لا لتفاصيل الاحداث المؤسفة التي استاء منها الاردنيون جميعهم ولا للبيانات وتبرير هذا وذاك، كي لا تنكأ جرحا ما زل غضا، نحاول مع الخيرين تضميده، وكي لا نحمل ايضا طرفا دون الاخر، المسؤولية؛ فنقع في فخ غياب الحكمة الذي نحذر منه .

وبصرف النظر عن تفاصيل الليلة الساخنة التي عاشها لواء ذيبان، بل الاردنيون جميعهم، الذين ما زالوا يترحمون على شهداء شبابنا في مخابرات البقعة.. وشهداءنا الذين لاقوا وجه ربهم بالامس اثناء واجبهم السامي وهم يحرسون حدودنا الشمالية ويغيثون اشقاء لاجئين سوريين.. وعدا عن مكانة الشهر الفضيل الذي وحدت فيه دماء الشهداء الابرار وتضحياتهم قلوب الاردنيين جميعهم ، وزادتهم لحمة ووحدة وصلابة ، لتنغص علينا سريعا، أحداثا مؤسفة تمنينا ان لا نسمع بها ولا نراها بأعيننا.

تعليمات الحكومة لقوات الدرك بفض خيمة اعتصام لمتعطلين عن العمل مقامة منذ قرابة شهرين، بشهر فضيل مع وقت افطار الصائمين، وبقوات درك لا شرطة، بطريقة وصفها محتجون في ذيبان انها قد تمت باستخدام "قوة مفرطة"، مؤكد انه قرار اقل ما يقال عنه انه جانب الحنكة والحكمة ..وكان يتوجب على حكومتنا المحافظة على سياسة "الاحتواء"، التي عبرنا بسفينة الاردن من خلالها، امواج الربيع العربي سالمين، بدلا من فتح ابواب يعلم الله ماذا يختبىء لنا خلفها !

وكذلك تعدي بعض المحتجين على افراد الدرك باسلحة نارية اصيب منهم ثلاثة، والاعتداء على ممتلكات عامة وخاصة واغلاق طرق واحراق منازل، اقل ما يمكن القول عنه ايضا انه غابت عن مرتكبيه الحكمة، وانتقلوا من وضع مطالبة سلمية قانونية لهم الحق فيها.. الى "محقوقين" شذ البعض منهم عنهم، وعن القانون بتصرفاتهم.

البطالة بحد ذاتها، مشكلة وطنية، بل عالمية، ونقرأ يوميا تقاريرا دولية وغربية يشكوا مواطنيها رغم ثراء بلادهم ورؤوس الاموال فيها من مشكلتها وارتفاع نسبها، ومثلما في غالبية محافظات المملكة ذات المشكلة، التي من غير المنصف وصفها بمشكلة "مناطقية" ابدا، بقدر ما هي مشكلة وطن ودولة.

وان صحت تصريحات رسمية صدرت اليوم بان خيمة ابنائنا العاطلين عن العمل في ذيبان، باتت تستقطب اشخاصا من خارج اللواء، لتسيس قضيتهم، وللتأجيج وركوب الموجة، بشكل خارج سياقات الغاية التي اقيمت لاجلها الخيمة الاحتجاجية، تكون البوصلة قد انحرفت بشكل اكثر واكبر، في وقت نحن ابعد ما نريده لتوتير اضافي هو قد فاض بنا جراء ظروف محيطنا الملتهب اصلا.

مسلمات الاردنيين التي لا تقبل النقاش قيد ذرة في مبادئهم وقناعاتهم الوطنية وضمائرهم الحية، تحرم خدش اردني لاردني، او اراقة قطرة دم منه ابدا..والحفاظ على وطنهم وأمنه ومقدراته قضية لا تقبل القسمة على اثنين عند الاردنيين مشرقهم ومغربهم، كبيرهم وشيخهم، نساءهم ورجالهم الذين لا يقبلون الضيم على لاجئ او ضيف او عابر سبيل فكيف يرتضونه على انفسهم حاشاهم ؟.

تغلييب المصلحة الوطنية على وفوق اي اعتبار أمر مفروغ منه بل هو فرض عين وواجب على كل أردني، سيما في مرحلة يترصد فيها طامعون حاقدون خاسئون بنا من كل حدب وصوب، وهنا..تعود الحكمة لتصبح مطلبا وطنيا أكبر للتعامل والتعاطي في شؤوننا الداخلية، من الحكومة قبل المواطنين، لتفويت الفرصة، والعض على أمن بلدنا بأسناننا، ودون ذلك الخيار مرفوض وغير مقبول ومحرم من أي كان، ودونه ايضا ومؤكدا..لا يقبل الاردنيون يوما.. ولن يكونوا !