جدلية الصيام والتقاعس عن العمل.. هل رمضان شهر عبادة فقط؟

في الوقت الذي تؤكد المادة 67 من قانون نظام الخدمة المدنية ان "على الموظف اداء مهامه الموكلة اليه بدقة وأمانة تحت طائلة المسؤولية التأديبية".
يقول البعض "إن شهر رمضان بالنسبة للموظفين شهر استراحة عن العمل، وهم يأتون إلى العمل لكنهم يتفننون في إهدار ساعات الدوام القليلة بشتى الطرق".
وفيما يرى البعض أن شهر رمضان للعبادة وليس للعمل، يلاحظ آخرون أن "التقاعس عن العمل يبدو وكأنه حالة ملازمة كل عام مع بداية شهر رمضان، وهو ما يخالف إحدى حكم الصوم".
وكانت الحكومة حددت في بلاغ رسمي اصدرته قبل شهر رمضان ساعات الدوام الرسمي خلال الشهر المبارك من العاشرة صباحا وحتى الساعة الثالثة بعد الظهر، فيما حدد معظم شركات القطاع الخاص ساعات دوامها من العاشرة صباحا لغاية الرابعة عصرا.
محمد زياد عيسى أحد موظفي القطاع العام يقول إن "رمضان شهر للعبادة يفترض أن يتفرغ الإنسان فيه لربه"، وبغض النظر "عن مقولة العمل عبادة"، يرى عيسى أن "على المؤسسات والمدارس والجامعات التعطيل في شهر رمضان".
فالعمل في رمضان بالنسبة له متعب، "بسبب امتناعه عن التدخين وشرب القهوة في كل وقت"، موضحا ذلك بقوله "لا أستطيع التعامل بلطف مع زملائي ومع المواطنين دون تدخين لأن مزاجي متعكر ولا استطيع التركيز في العمل ما يجعلني متقاعسا"، مبينا أنه يحاول أخذ اجازاته في رمضان لأنه وبحسب قوله "لا أستطيع الصيام والعمل في آن واحد".
ويتفق المهندس محمد الضمور مع عيسى في الرأي، مبينا "أن في هذا الشهر تكون القدرة على العمل أقل والرغبة في العمل غير موجودة".
ويقول "يصعب على المدخنين العمل في شهر رمضان وكذلك على مدمني السهر ولذلك تجد أكثر الموظفين غائبين في شهر رمضان بالذات".
بيد أن الموظفة حنان الدوايمة التي تعمل في إحدى الشركات الخاصة ترى أن السبب الرئيسي وراء الكسل في رمضان هو التعود قائلة "تعودنا على أن تكون ساعات العمل في هذا الشهر أقل بكثير من الأشهر الأخرى"، وتزيد "نحن نتفنن في قتل الوقت في شهر رمضان".
اما الموظف الحكومي صدام الحياصات فيقول "ان شهر رمضان بالنسبة للموظفين شهر استراحة عن العمل فهم يأتون إلى العمل لكنهم يهدرون الوقت القليل بشتى الطرق الى أن تنتهي ساعات الدوام"، موضحا أنه "برغم قلة ساعات الدوام إلا أن تلك الساعات لا تستغل أيضا".
وبين الحياصات "أن هناك من يعمل في هذا الشهر وبشكل عادي كبقية الشهور، ولكنهم يعملون بمزاج متعكر ولا ينجزون أعمالهم، وهذا النوع لا فائدة من عمله في رمضان وفي اعتقادي الشخصي أن بقاءه بلا عمل في رمضان أفضل من عمله".
لكن أمين عام ديوان الخدمة المدنية سامح الناصر يوضح ان شهر رمضان شهر العمل لأن "العمل عبادة قبل كل شيء، ولا يجب ان يكون الشهر الفضيل حجة للتقاعس عن العمل"، مبينا ان المادة 67 من نظام الخدمة المدنية "توجب على الموظف اداء المهام الموكلة الية بدقة وأمانة تحت طائلة المسؤولية التأديبية، ولم تستثن شهر رمضان من ذلك".
وأكد الناصر  ان "التقاعس عن العمل في هذا الشهر الفضيل يتنافى مع اخلاقيات الوظيفة ويناقض تعاليم الدين الحنيف".
وحول أخذ الإجازات خلال هذا الشهر بين الناصر ان المادة 103 من نظام الخدمة المدنية تعطي الدائرة أو الوزارة الحق في الطلب من الموظف قطع إجازته، فيما تتولى وحدات الرقابة الداخلية في المؤسسات والوزارات متابعة الموظفين وساعات دوامهم، ولذلك بحسب الناصر "يجب على الموظف ان يؤدي وظيفته بكل أمانة ومسؤولية خلال شهر رمضان".
الطبيب العام يوسف الفقيه يرجع سبب عدم التركيز في رمضان إلى "تعرض خلايا الجسم لفقدان السكر وخصوصا خلايا المخ شديدة الحساسية"، مبينا أن جسم الإنسان يعمل على الطاقة وبدونها يشعر الإنسان بالخمول والكسل، لذلك فهو يرى أن قرار تقليل ساعات الدوام منطقي وصحي.
ولمواجهة نقص الطاقة يعمل الجسم بحسب الفقيه على استخلاص حاجته من الطاقة من المخزون الدهني في الجسم كما يعيد استخلاص الجلوكوز من الكبد "لذلك يشعر الصائم بعد مرور عدة ساعات من الامتناع عن الأكل بالكسل والخمول ويفقد الجسم قدرته على التركيز".
ويضيف، أن "الإنسان في مجتمعاتنا اعتاد على تناول الاطعمة الخفيفة وفنجان من القهوة أو كوب من الشاي كي يستطيع اتمام عمله جيدا، ولكن في رمضان الأمر مختلف".
وفي حالات الصيام تنشط بعض خلايا المخ لمواجهة هذا الوضع الطارئ‏،‏ وتبدأ بإفراز هرمون الكورتيزون بكمية كبيرة لأنه يساعد على زيادة مستوى السكر بالدم، بحسب د. الفقيه، لكن استمرار ارتفاع هذا الهرمون بالدم يكون له تأثير ضار على الخلايا المناعية والعصبية".
ويوضح الفقيه العلاقة الطبية بين الصيام والسلوك بقوله "إن نقص السكر ينشط افراز غدة موجودة فوق الكلى ينتج عنها شحوب في الوجه مصحوب بزيادة نبضات القلب ومع استمرار نقص السكر بالدم تتأثر الوظائف الذهنية ومن ثم السلوكية".
ولمواجهة هذا الأمر ينصح الفقيه بتناول وجبة السحور التي "يجب أن تحتوي على نشويات لأنها مصدر سهل للطاقة وتعمل على التخفيف من أعراض الكسل والخمول".