معركة الفلوجة : قاسية عسكريا بتبعات سياسية كبيرة

تعد معركة الفلوجة التي تخوضها القوات العراقية ضد تنظيم داعش، صعبة بكل المقاييس، خصوصا وان التنظيم الإرهابي يدافع فيها عن ثاني أهم معاقله في العراق، وسط بيئة تحضنه إلى حد انه يواجه مهاجميه بألف مقاتل لا تستطيع الحكومة العراقية معرفة مدى تسلحهم وتحصيناتهم منذ عامين من هيمنتهم على المدينة.
فبعد أن أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الأحد الماضي، ومن تحت قبة البرلمان، أن اقتحام الفلوجة سيجري خلال الـ48 ساعة المقبلة؛
أعلنت قيادة العمليات المشتركة، صباح اليوم، بدء عملية اقتحام مدينة الفلوجة.
يأتي ذلك بعد أسبوع من النفير العسكري العراقي لاقتحام الفلوجة، و31 غارة للتحالف الدولي على مواقع "داعش" قرب ‫‏الفلوجة.
وعلى الرغم من إعلان العبادي أمس أن الاقتحام سيكون خلال 48 ساعة، فإن "داعش" اقتحم مدينة هيت أول من أمس، وكاد أن يحتلها، لولا تدارك قوات مكافحة الإرهاب الموقف في اللحظة الأخيرة.
وجاء إعلان العبادي هذا من تحت قبة مجلس النواب، الذي عقد أول جلسة له أمس منذ اقتحام المتظاهرين له في 30 نيسان(أبريل) الماضي.
ويؤكد عقد جلسة برلمانية كانت معطلة منذ شهر كامل، وبالتزامن مع إعلان العبادي أن معركة الفلوجة هي معركة سياسية كما أنها عسكرية سواءً بسواء.
كما أن انعقاد البرلمان، دليل على إمكانية التصويت على بقية الظرف المغلق؛ وهذه هي معركة سياسية أخرى لم تكتمل.
ويعدُّ انعقاد الجلسة، حسب المراقبين، انتصارا للمتظاهرين وفشلا للنواب المعتصمين القريبين من بعض فصائل "الحشد الشعبي"، بعد أن ردت المحكمة الاتحادية العراقية قبل أيام دعوى النواب المعتصمين بشأن دستورية جلسات مجلس النواب، التي عقدت برئاسة سليم الجبوري، واعترفت برئاسته للبرلمان.
وفي تطور ملفت، وتزامنا مع معركة الفلوجة، ولتأكيد ارتباط معارك تحرير المناطق من "داعش" بالمعارك السياسية في العراق؛ شهدت باريس أمس، انبثاق كيان سياسي معارض للعملية السياسية، تحت اسم "المشروع الوطني العراقي"، بقيادة جمال الضاري شقيق حارث الضاري ورئيس "منظمة سفراء السلام" من أجل العراق.
من جانبه، وتزامنا مع معركة الفلوجة أيضا، وتأكيدا لتصريحاته قبل يومين حول دور إيران السلبي في العراق؛ قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في مؤتمر صحفي مع نظيره البريطاني فليب هاموند، في الرياض أمس، إن إرسال إيران ميليشيات طائفية إلى العراق أمر غير مقبول؛ داعيا طهران إلى وقف التدخل في شؤون المنطقة، ولا سيما في العراق.
ويتساءل المراقبون ما اذا كانت معركة الفلوجة قد فتحت، وقبل أن يتم اقتحامها، عدة معارك سياسية حول دور إيران في العراق، وفي آن واحد؟
كما يتساءل المراقبون ما اذا كانت إرادة هذا المعسكر العراقي، المعارض لمشاركة "الحشد الشعبي" تلتقي في اقتحام الفلوجة مع إرادة عراقية سياسية معارضة لدور إيران في العراق، مع إرادة المتظاهرين الذين اقتحموا المنطقة الخضراء مرتين وهتفوا "إيران برا برا"، ومع إرادة دولية إقليمية، أشار إليها الجبير وهاموند أمس في الرياض، وهي تتحدث عن دور إيران السلبي في العراق؟
وقد يكون تزامن انعقاد جلسة البرلمان العراقي أمس، للإعلان عن موعد اقتحام الفلوجة من تحت قبته، ومن قبل القائد العام للقوات المسلحة تحديدا، مؤشرا إلى أن أمر اقتحام الفلوجة، هو بيد القائد العام للقوات المسلحة، وليس بيد "الحشد الشعبي"، ولو صرح "الحشد الشعبي" أو بعض فصائله بذلك وأصر عليه.
والإعلان العراقي الرسمي من تحت قبة البرلمان عن قرب اقتحام الفلوجة، هو بحد ذاته، حسبما يرى المراقبون، سحبا تشريعيا وتنفيذيا لورقة معركة الفلوجة من يد "الحشد الشعبي" أو من يد بعض فصائله القريبة من إيران تحديدا. وربما كان محاولة عراقية رسمية لتحييد دور الحرس الثوري الإيراني وقاسم سليماني وإبعاده على الأقل عن معارك "الحشد الشعبي" مع "داعش" في العراق. وهذا من جهة أخرى، قد يمثل محاولة لعزل إيران عن محاربة "داعش" في المنطقة، امتدادا من اليمن للعراق مرورا بسوريا.
المراقبون يرون كذلك، أن المعركة الأخرى، التي تزامنت مع معركة الفلوجة، قد فتحها المؤتمرون العراقيون المعارضون في باريس وبحضور دولي وعربي، وشددوا فيها على دور إيران السلبي في العراق. وقد أكد المؤتمرون في بيانهم أمس، ومن دون أي إشارة سلبية إلى حكومة العبادي، أن "داعش" منظمة إرهابية، وأن الممارسات الطائفية لحكومة نوري المالكي هي المغذي للإرهاب في العراق، وأن خطوتهم التالية ستكون الدعوة إلى مؤتمر دولي من أجل إنقاذ العراق.
ومن اللافت أن يقول جمال الضاري، رئيس المشروع الوطني العراقي، الذي انطلق أمس في باريس إن "المتظاهرين في العراق هم أفضل منا ونحن صوتهم"؛ وهو جواب بنعم عن سؤال: -هل يمكن أن تلتقي إرادة المتظاهرين في بغداد مع إرادة المؤتمرين في باريس؟
والمعركة الثالثة، التي تزامنت مع معركة الفلوجة، قد فتحها الجبير في موسكو قبل يومين واستمر بها في الرياض. وفي موسكو والرياض، أشار الجبير إلى دور إيران السلبي في العراق، وضرورة أن ترفع يدها عن العراق. وطالبها بأن تنسحب منه "إن كانت تريد خيرا لهذا البلد"، مؤكدا أن وجودها في العراق أمر غير مقبول. وقال الجبير، خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيره البريطاني فيليب هاموند، إن سبب الفتنة في العراق هو سياسات إيران الطائفية هناك.
ودعا الجبير طهران إلى تغيير سياساتها، لكي يعاملها العالم بشكل عادي، مشيرا إلى أن عزلة إيران سببها دعم الإرهاب في المنطقة. وقال الجبير إنه اتفق مع نظيره البريطاني على ضرورة إيقاف إيران تدخلاتها في شئون المنطقة، مؤكدا أنها هي من عزلت نفسها بنفسها من خلال دعم الإرهاب ودعم الميليشيات في سوريا والعراق.
واقتحمت القوات العراقية أمس الاثنين، مدينة الفلوجة من ثلاثة محاور ما يشكل بداية لمرحلة جديدة من عملية استعادة السيطرة على المدينة التي تعد احد معقلي تنظيم الدولة الاسلامية الرئيسيين في العراق، حسبما اعلن قادة عسكريون.
وتاتي عمليات تحرير أول مدينة خرجت عن سيطرة القوات العراقية العام 2014، بالتزامن مع عمليات تنفذ في سورية، ويخشى ان تتعرض فيها حياة عدد كبير من المدنيين للخطر.
شاركت في عمليات الاقتحام التي انطلقت فجر الاثنين قوات مكافحة الإرهاب أكثر القوات العراقية تدريبا وخبرة قتالية.
وقال الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي قائد عمليات تحرير الفلوجة لوكالة فرانس برس إن "قوات جهاز مكافحة الإرهاب والجيش والشرطة بدأت عند الساعة الرابعة فجرا بغطاء من طيران التحالف الدولي، اقتحام مدينة الفلوجة من ثلاثة محاور".
وتتقدم القوات من محور السجر (شمال شرق) وتقاطع جسر الموظفين (شرق) والنعيمية وجسر التفاحة (جنوب)، وفقا للساعدي الذي اشار الى وجود مقاومة من التنظيم الجهادي.
واكد صباح النعمان المتحدث باسم قوات مكافحة الارهاب لفرانس برس انطلاق العملية. وقال "بدأنا عملياتنا في ساعة مبكرة من صباح امس لاقتحام الفلوجة".
ويعني اشراك قوات مكافحة الارهاب في هذه المرحلة من العملية، توقع على الارجح وقوع معارك شوارع داخل المدينة التي شهدت قتالا شرسا ضد القوات الأميركية في 2004، وصف بالاعنف منذ حرب فيتنام