بالتفاصيل ..أسراً تتلقى رواتب شهرية لا تقل عن 600 دينار و أملاك.. وتمتهن التسول
اقتربت الفتاة بحجابها الأسود الكامل ببطء. وقفت أمام نافذة السيارة، ثم ضربت على الزجاج بقوة، لتبيع السائق بضع قطعٍ من بضاعتها الرخيصة، لم يستجب لها رغم الإصرار، فذهبت إلى مركبة أخرى على ذات الإشارة، ولحسن الحظ كانت النافذة مفتوحة، ولم تغادر حتى أخذت ما تريد.
أربعيني آخر يمشي بتسارع بين أسراب المركبات، وهو يحمل بيده قطعاً من القماش لبيعها، يدخل في حوارات متعددة مع اصحابها، لكنه لا يعود خالي الوفاض، مع كل إضاءةٍ حمراء.
وآخر يُلقي ببضاعته على الأرض، لإيهام رواد الطريق بأنه تعرض لدهس، فيجني الأرباح والتعويض، وسط دموعٍ تسيل على خديه.
هكذا هم الذين امتهنوا التسول على الاشارات الضوئية باحتراف.
التسول بـ»الإكراه» صار سمة ملاصقة لممتهني هذه الحرفة، التي تدر مالاً وفيراً بدون تعب أو كثير جهد.
وقد بدأت أعداد المتسولين على الإشارات الضوئية، ودور العبادة، تزداد مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك، ولم يقتصر التسول على مد اليد فقط، بل يضرب يده بقوة على زجاج المركبات التي تقف على الاشارة الحمراء.
هؤلاء تتزايد أعدادهم بشكل كبير، وفق إحصائيات وزارة التنمية الإجتماعية، إذ بلغ عدد الذين تم ضبطهم عام 2015 خمسة آلاف حالة، فيما كان العدد عام 2013 (3300) حالة، وهذا مؤشر بزيادة تصل إلى ما نسبته 30 بالمئة.
رغم أن التسول يكون لسد رمق العيش أحياناً، وأسبابه معروفه، إما لمُقعدٍ عاجز، أو لأرملة تربي أيتاماً، وإما لشيخ طاعنٍ مُشرد؛ لكن التسول الذي نلمسه ونراه، يمارسه شباب من الجنسين، يستخدمون وسائل مبتكرة للإقناع العاطفي، حسب رجا درويش معلم مدرسة.
يرى درويش أن المتسولة الشّابة، قد تلجأ لحمل طفل ليس ابناً لها، تستخدمه لإثارة عاطفة الناس، وقد يستخدم رجلاً طفلاً على كرسي متحرك يضع انبوب اكسجين وهمي، وهناك من يتظاهر بالإعاقة، وأخرى تحمل علبة دواء فارغة، أو فاتورة ماء وكهرباء.
بعضهم يستغل المساجد لممارسة التسول، ثم يعرض وثائق و»ريشتات دواء»، للحصول على المال، وكثير منهم لا يبدو عليه المرض، ويظهر بصحة جيدة، لكنه يجرؤ على الطلب، وقد يُطلب منه المغادرة، لكنه لا يبرح حتى يحصل على المال.
يعد ذلك تحايلا على الناس، وابتزازا لهم، بدعوى الحاجة والعوز، وقد تنطلي هذه الحيّل على كثيرين، إما بدافع إيماني، أو عاطفي، وقد يكون لأسباب أخرى، أهمها التخلص من عبيء المتسول المزعج، بدفع بضعة قروش.
كثير من حالات الغش والخداع التي كشفتها، وزارة التنمية الإجتماعية، بحق المتسولين، من خلال وحدة التسول، فقد ضبطت لجانها العديد من الأطفال يتولون في أحياء عديدة من العاصمة، وبعد التحقق، ثبت أن لهم أسراً وتتلقى رواتب شهرية لا تقل عن 600 دينار، كما أن لهم أملاك.
دائرة الإفتاء تشير في فتواها بهذا الخصوص، أنه إن غلب على الظن كذب السائل، وامتهانه للتسول، فلا ينبغي إعطاؤه حتى لا يتشجع على التسول، ولا يكون سبباً في اختلاط الصادق بالكاذب وانتشار التسول بسببه، على أن يحسن المسلم رد السائل، فلا يحقره ولا يزدريه، بل يدعو له بالخير.
لكنها، أي الدائرة، قالت في فتواها: إن الإسلام رغّب في الصدقة، ووعد عليها بالخير الكثير، والثواب الجزيل، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم) البقرة/254، وذم بالمقابل البخل وأهله، فقال تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) آل عمران/180