خفايا وأسرار غضب القصر الملكي من الإخوان المسلمين !

يمكن العودة لحوار سياسي لا يتميز بالود المسترسل وتخللته رسائل متبادلة على مقياس مناكفة سياسية في القصر الملكي عند أي محاولة لفهم ما يجري في الأردن حاليا في ملف الإخوان المسلمين.


بعد «لقاء يتيم» في بدايات الربيع العربي جمع الملك بقيادات جماعة الإخوان المسلمين، حضر اللقاء وهو اليتيم تماما، مع الملك عبدالله الثاني في عام 2011 ثمانية من قادة الإخوان المسلمين بينهم المراقب العام الحالي الشيخ همام سعيد ونائبه زكي بني ارشيد والدكتور عبداللطيف عربيات وحمزة منصور وجميل ابو بكر ومؤسس مبادرة زمزم الشيخ إرحيل الغرايبة.


في اللقاء تحدث المراقب العام الحالي الشيخ همام سعيد بدون نعومة، قليلا عن «إصلاحات» ضرورية يطالب بها الشعب تخص فقرتين في الدستور متخصصتين بـ»صلاحيات الملك».
استمع ملك الأردن بهدوء لضيوفه مشايخ وقادة الإخوان المسلمين الذين كانوا للتو محتفلين بأجواء الربيع العربي وتصدر الإخوان المسلمين للمشهد في دول الجوار.


وحده الشيخ حمزة منصور أدلى بمداخلة ناعمة تحدث فيها عن ضرورة تطوير الحوار مع الدولة وعدم وجود أجندة معادية لمؤسسة القصر في التنظيم الإخواني.


كذلك فعل الدكتور عربيات، في الوقت الذي لم يلتق فيه الملك عبدالله الثاني شخصيا برموز الإخوان المسلمين لا قبل ذلك التاريخ ولا بعده عمليا.


ترددت رواية حول دعابة سياسية صدرت عن الملك في ذلك اللقاء بعد إشارة مازحة منه تتحدث عن السماح للقيادة بالمغادرة الآمنة إذا تغيرت الأحوال وتسلم الإخوان السلطة في الأردن، وكانت الدعابة بمثابة إختبار حقيقي لطموحات الجماعة الإخوانية عبر الإيحاء بلغة سياسية.

 

حسب الرواية التي لم يتم التوثق منها، صدرت تعليقات لم تكن موفقة عن الشيخ بني ارشيد على الدعابة الملكية.


بسبب تعليق بني ارشيد توترت أجواء اللقاء وانتهى بغير ما بدأ به من مصافحات وتبادل عناق، ثم بدأ الشيخ ارشيد يعبر لاحقا عن شعوره بخطأ ما قاله عبر الدعوة داخليا لعدم تحميله ما لا يحتمل، وعبر الإشارة انه لم يقصد ما التقطه الملك، وبرزت عبارة مهمة عن بني ارشيد في التحليل لاحقا عنوانها «نحن نعرف ان الملك شخصيا لا يطيقنا ولا يثق بنا».
في ذلك اللقاء تحدث الملك عن لجنة الحوار الوطني التي ستتشكل قريبا وطالب الإخوان بالمشاركة فيها.
لاحقا وبعد اللقاء بأيام قليلة كلف الملك الدكتور معروف البخيت بتشكيل الحكومة وهو تكليف اعتبره الإخوان خطوة تصعيدية ضدهم، لأن الأخير من أكثر الشخصيات خصومة مع الإخوان المسلمين وسبق ان اتهمهم علنا بأجندة معادية للدولة.


اعتبر الإخوان تكليف البخيت رسالة سلبية لهم عكس إتجاهات الحوار التي اقترحها القصر الملكي.
وعند تشكيل لجنة الحوار الوطني قاطعها الإخوان ورفضوا الانضمام رسميا لها، مما شكل خيبة أمل فيهم عند القصر الملكي بالرغم من الموافقة الضمنية لمرجعيات الإخوان المسلمين على وجود نقابيين محسوبين على الجماعة في اجتماعات الحوار التي أدارها المخضرم طاهر المصري.
في الأثناء كان المسؤولون في الديوان الملكي، وتحديدا رئيس الديوان في ذلك الوقت الدكتور باسم عوض الله، يمتنعون عن التفاعل مع طلبات اللقاء والحوار مع الملك التي يطالب بها رئيس كتلة التيار الإخواني في البرلمان المهندس عزام الهنيدي.
توترت الأجواء تماما لاحقا بين القصر الملكي والإخوان المسلمين ولم يحصل حتى اللحظة أي لقاء أو حوار بين الطرفين.
بعد أكثر من عامين بقليل إعتقل الشيخ بني ارشيد وقيد للمحكمة فيما عرف بقضية «الإساءة للإمارات» وصدرت في حقه عقوبة بالسجن لعام.
بدا لافتا ان بني ارشيد وحده من بين كل قادة الإخوان المسلمين الذين سجنوا سابقا «أكمل مدة عقوبته» وهو الوحيد الذي لم يصدر لصالحه أي عفو ملكي.
الاصرار على إكمال الشيخ ارشيد لعقوبته بدون صدور عفو، كان رسالة إضافية على رفض الطريقة التي تحدث بها الرجل في اللقاء اليتيم المشار إليه.
بعد أيام فوجئ الرأي العام الأردني بالملك شخصيا وفي حديث لمجلة أجنبية يصف الإخوان المسلمين بعبارة «هم ذئاب في ثياب حملان» قائلا: انا لا أثق بهم.
يعتقد وعلى نطاق واسع اليوم ان حرص القصر الملكي على التعديلات الدستورية الأخيرة التي تحصن صلاحيات الملك من نطاق أي حكومة أغلبية برلمانية، مرده أجواء انعدام الثقة والدعابة الثقيلة التي انطلقت من فم بني ارشيد في أخطر لقاء فجر الأزمة بين تنظيم الإخوان المسلمين والنظام الأردني.
عندما حاول بعض معتدلي وعقلاء جماعة الإخوان الاستدراك تم اختيار قناة سريعة على أمل تخفيف حدة غضب الملك فوصلت للملكة رانيا العبدالله رسالة تقول: «نحن مستعدون لتوضيح موقفنا ومستعدون للمساعدة في دعم ولي العهد الأمير حسين بن عبدالله».
آنذاك كانت قصة مؤسسة ولاية العهد أولوية مطلقة للملكة رانيا العبدالله حاول التنظيم الإخواني مخاطبتها.
ويتردد ان الملكة نقلت الفكرة بحماس، لكن الملك رفض تلقي الرسالة بإيجابية وأصر على تجاهل كل طلبات اللقاء لاحقا مع قيادات الإخوان المسلمين بمن فيهم المعتدلون منهم.
لم يكن ذلك اللقاء عنصر التفجير المركزي الوحيد في السياق، فبعد أكثر من عامين من «القطيعة» التامة بين مؤسسات الإخوان والقصر الملكي، التقى رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور بوفد من الإخوان المسلمين.
بين الوفد الإخواني كان المراقب العام الشيخ همام سعيد، سأله النسور عن ما إذا كانت الجماعة مصرة على الاستثمار مجددا في لغة الشارع، جواب الشيخ سعيد كان «عاصفا ومفاجئا للغاية» فقد رد قائلا: «اسمع أخي دولة الرئيس لو كنا نريد البقاء في لعبة الشارع معكم لما استطاع أحد رد آلاف من شبابنا التواقين لتحرير المسجد الأقصى والإستشهاد على أسوار القدس».
أضاف سعيد: نحن نتفهم ظروف الدولة ونسعى لعدم إثارة المشاكل.
سياسيا ضرب الشيخ سعيد بعبارته على وتر في منتهى الحساسية لا يمكنه إلا ان يقلق الدولة الأردنية، وتعليق سعيد بدا خشنا ويخلو من لغة التصالح وأميل لمقايضة تحرج الدولة الأردنية.
بعد هذه المواجهة بين النسور وسعيد، بدأت الحكومة إستراتيجية تكريس مبدأ سحب ترخيص الجماعة ومنع مسيراتها وتجمعاتها بحيث انتهى الأمر مؤخرا بإغلاق مقراتها.
الوتر الثالث الحساس جدا كان قبل المواجهة بين النسور وسعيد بنحو عام، ومجددا كان بطله بتقييم الدولة الشيخ زكي بني ارشيد، الذي دعم داخل الجماعة الإخوانية خيارا جديدا تماما لم يتم اللجوء إليه في الماضي وتمكن من إستصدار توصية بتنظيم مسيرة جماهيرية ضخمة جدا تحرج النظام على ان يخرج فيها هذه المرة «أهالي وسكان مخيمات اللاجئين الفلسطينيين».
لم يكن ذلك مطروحا أو مقبولا لكل الأطراف بما فيها نشطاء المخيمات السياسيين.
كانت تلك المرة الأولى تماما التي تلعب فيها في الشارع جماعة الإخوان بورقة المخيمات.
بالفعل تم تنظيم ما سمي بـ»أم المسيرات» في ختام موسم الحراك الشعبي في وسط العاصمة عمان وبوجود كثيف جدا لممثلين عن المخيمات الفلسطينية، لا أحد يعرف حتى اللحظة كيف تمكن الإخوان من اقناعهم بالخروج للشارع تحت يافطة تطالب بالإصلاح السياسي.
قبل تلك المسيرة لم تشهد حراكات الشارع الأردني المطلبية والسياسية أي تواجد للمكون الفلسطيني وأي مشاركة فعلية لأهالي المخيمات، فقد بقي ذلك من المحرمات بالنسبة لنشطاء ومفاتيح المخيمات نفسها.
فعلها الإخوان بقيادة صاحب الفكرة الشيخ ارشيد وتم توجيه «رسالة قاسية» ومحرجة للنظام الذي لم يكن يستطيع التصدي أمنيا لمسيرة بهذه الضخامة، حيث تواجد في منطقة وسط العاصمة نحو 70 ألف مشارك ومتظاهر في أضخم حراك شعبي حسب المعارضة ولا يقل عن 40 ألفا حسب السلطات.
القدرات التنظيمية لهياكل الإخوان المسلمين في «أم المسيرات» بدت مفاجئة جدا حيث تواجدت فرق تنظيم التظاهر التابعة لشباب الإخوان وكانت أم المسيرات منضبطة تماما لم تتخللها هتافات محرجة ولم يحصل فيها أي إحتكاك مع رجال الدرك والأمن ولا أي اعتداء على حتى لوح زجاج في الشارع.
تلك كانت مجازفة ولغة جديدة تماما ويعتقد على نطاق واسع بانها قد تقف وراء الحساسية المفرطة تجاه الإخوان المسلمين في مجسات ومؤسسات غرف القرار في الدولة الأردنية مع أن الملك شخصيا وفي لقاء مختلف مع ممثلي المخيمات في البرلمان رفض تقدير رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز طراونة بأن الإخوان وراء التشكيك في الانتخابات ومقاطعتها من قبل المكون السياسي مبرئا الإخوان من هذه التهمة ومشيرا إلى أن بعض السياسيين المقربين من الدولة من ذوي الأصول الفلسطينية هم الذين فعلوا ذلك.