الضمان الاجتماعي.. اقتطاعات مرتفعة وامتيازات متواضعة

تتحصل المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في الأردن على اقتطاعات تعتبر من الأعلى على مستوى العالم، قياساً إلى ما تقدمه من رواتب وامتيازات. فها هو المواطن الأردني شهد مع نهاية شهر كانون الثاني (يناير) الماضي ارتفاعا جديدا لنسبة الاقتطاعات لـ"الضمان".
وأصبحت الاشتراكات الشهرية الإجمالية المستحقة على أصحاب العمل في القطاع الخاص وعلى العاملين لديهم، نسبتها 21 % من أجور العاملين، يتحمل صاحب العمل منها 13.75 %، فيما الباقي يتحمله المؤمن عليه.
إن ما يناله المؤمن عليه من فوائد وامتيازات ورواتب مقابل ما يُفرض من اقتطاعات على صاحب العمل والعامل ورفع للأقساط الشهرية، يعتبر قليلا جدا. وأكبر دليل على ذلك أن آخر أرقام رسمية لـ"الضمان" تؤكد أنه يوجد 110 آلاف مشترك ومشتركة رواتب كل منهم التقاعدية الشهرية أقل من 300 دينار، يشكلون ما نسبته 64 % من إجمالي المتقاعدين، و52 ألف مشترك ومشتركة رواتبهم التقاعدية أقل من 200 دينار شهرياً.
قد يقول البعض إن الرواتب التقاعدية تم ربطها بالتضخم. ومع أن ذلك يعتبر خطوة إيجابية، إلا أنه لا يجدي نفعا، خصوصا أن مردودها المالي قليل جداً إذا ما قورن بالغلاء المعيشي والمسلسل المستمر لارتفاع الأسعار.
فمثلا، في العام 2014، كانت نسبة الزيادة على الرواتب التقاعدية، حسب التضخم الذي كشفت عنه الحكومة، لا تتجاوز 3 %، ما يعني أن 52 ألف متقاعد كانت قيمة زياداتهم الشهرية 6 دنانير، و110 آلاف متقاعد بلغت قيمة زياداتهم الشهرية 9 دنانير.
وبحسبة بسيطة، وإذا ما علمنا أن متوسط عدد أفراد الأسرة الأردنية خمسة أشخاص، يكون نصيب الفرد من الزيادة الشهرية دينارا واحدا وعشرين قرشاً!، فأي عدل هذا، في ظل ما تشهده البلاد من ضنك عيش وتآكل الأجور والرواتب بسبب ارتفاع الأسعار؟
أضف إلى ذلك زيادة نسبة اشتراكات تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة بشكل تدريجي بنسبة 0.75 % سنويا من الأجور، لتصل بحد أقصاه 3 % بحلول العام المقبل. وهناك إشارات تلوح في الأفق لرفع سن التقاعد للجنسين.
وتقوم مؤسسة "الضمان" بين فترة وأخرى، لضمان ديمومتها، بإجراء دراسة اكتوارية، لا يستفيد منها المؤمن عليه بقدر ما تستفيد منها المؤسسة نفسها.
إن مؤسسة "الضمان" تركز جل اهتمامها، وبشكل مستمر، على موضوع التقاعد المبكر وكيفية القضاء عليه، حتى بدأ يُخيل للمواطن أن الهدف الوحيد للمؤسسة، وكل ما تصبو إليه، هو القضاء على التقاعد المبكر! وكأن التقاعد المبكر سيكون سبباً لانهيار هذه المؤسسة التي يعتمد عليها جل الشعب الأردني، الذي من حقه أن يتقاضى، في أواخر عمره وبعد أعوام شاقة من العمل، أجرا يستطيع من خلاله العيش بكرامة هو وأسرته، خصوصاً وأن ما يدفعه من اقتطاعات تمثل مبلغا ليس بسيطا.
صحيح أن هناك مواطنين يتعاملون مع قضية التقاعد المبكر بشكل خاطئ، كونه أصلاً وجد للخروج الاضطراري من النظام التأميني للضمان، إذ إن التقاعد المبكر له تأثيرات سلبية على سوق العمل، فراتب التقاعد وجد لحالات الشيخوخة والعجز والوفاة. لكن في الوقت نفسه، يظل التقاعد المبكر حقا من الحقوق التي كفلتها القوانين.
أليس من حق مليون و87 ألف شخص، وهو العدد الإجمالي لمشتركي "الضمان"، أن ينعموا بعيش كريم في خريف أعمارهم هم وأسرهم أو من يعولون؟، هذا مع العلم أن هناك 129 متقاعدا فقط تزيد رواتبهم التقاعدية على 5 آلاف دينار، بكلفة شهرية تقدر بـ906 آلاف دينار، أي ما يعادل 11 مليون دينار سنويا.