العراق: الاحتجاجات تتجدد على نظام المحاصصة الطائفية

احتشد المئات في بغداد أمس الأحد، دعما لتحذير وجهه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لزعماء العراق في سبيل الاتفاق على حكومة يمكنها محاربة الفساد.
وقال الصدر أول من أمس، إن احتجاجات الشوارع سوف تستأنف في غضون 72 ساعة إذا فشل الزعماء في التصويت على حكومة اقترحها رئيس الوزراء حيدر العبادي لتضم خبراء فنيين وتهدف إلى مكافحة الفساد المستشري وسوء الإدارة.
وأطلق الصدر تحذيره في الوقت الذي يضغط فيه ساسة يتمتعون بالنفوذ على العبادي لتعديل خطته وتعيين مرشحين من اختيارهم.
وتكبل الأزمة السياسية البرلمان وقال العبادي إنها تهدد بعرقلة الهجوم على متشددي تنظيم الدولة الإسلامية الذي ما زال يسيطر على مساحات من الأراضي في شمال وغرب البلاد.
وأرجأ البرلمان بالفعل التصويت على حكومة العبادي ثلاث مرات وقال أحد المحتجين إن أنصار الصدر سينظمون اعتصاما ما لم تنفذ مطالبه.
وأصبح الفساد قضية رئيسية بعد أن انهارت أسعار النفط العالمية في العام 2014 مما قلص ميزانية البلاد في وقت تحتاج فيه إلى دخل إضافي لتغطية تكاليف الحرب على التنظيم المتشدد.
وبعد فشل رئيس مجلس النواب العراقي في عقد جلسة برلمانية، وفشل النواب المعتصمين من تأمين النصاب، قرر الطرفان تأجيل جلسة يوم السبت.
فقد أعلن رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري عن تأجيل عقد جلسات البرلمان إلى حين توفُّر الإجماع الوطني. ومن جانبهم، قرر النواب المعتصمون تأجيل جلسة يوم أول من أمس السبت إلى اليوم، بسبب عدم توفر النصاب القانوني لعقد جلسة برلمانية لانتخاب هيئة رئاسة جديدة.
في هذه الأثناء، التقى ممثل الرئيس الأميركي في التحالف الدولي بريت ماكغورك رئيس البرلمان. وصرح ماكغورك بأنه ناقش مع الجبوري مسألة استقرار المناطق المحررة من "داعش" ودعم الاستقرار السياسي ببغداد.
كما التقى ماكغورك والسفير الأميركي في العراق ستيوارت جونز رئيس "ائتلاف متحدون" أسامة النجيفي. وبحسب بيان لمكتب الأخير، فإن"الولايات المتحدة الأميركية هي مع الدستور والشرعية والدولة، وترفض أي مساس بالشرعية. ووصفا (ماكغورك وجونز) ما حدث في مجلس النواب بأنها عملية غير شرعية وهي ضد الدستور والأنظمة، وأميركا والمجتمع الدولي يرفضان أي تغيير يتجاوز الأساليب الديمقراطية والدستور". وفق ما جاء في البيان.
وفي ظل استمرار صمت المرجع الديني السيد علي السيستاني، حث المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي، أعضاء مجلس النواب على التوجه إلى مدينة النجف للتباحث مع المراجع الدينية بشأن التطورات السياسية. وقال المدرسي، خلال خطبته الأسبوعية "اذهبوا إلى مدينة النجف واستمعوا إلى نصائحهم وتنازلوا عن بعض مطالبكم من أجل أن تصلوا إلى حلول مناسبة لتمر الأزمة".
من جانبه، فاجأ السيد مقتدى الصدر الجميع، بتوجيهه عدة رسائل:
ففي بيان صدر موقعا باسمه، جاء أنه "بعد أن اعتصم البرلمانيون لأجل مساندة شعبهم، قامت بعض الشخصيات بإرجاع سياساتها المقيتة لتحرف الطريق الصحيح عن مساره.. فتباً للحكومة السابقة ولقائدها
قائد الضرورة صاحب الولاية الثالثة المنهارة".
والصدر هنا يهاجم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بلهجة حادة، ويقف في الصف المخاصم له، ويقطع عليه طريق استغلال الاعتصام والعودة عبره رئيسا للوزراء. ورغم أن نواب كتلة المالكي وكتلة الصدر انضموا إلى النواب المعتصمين في البرلمان، فإن خلاف الصدر والمالكي أكبر من أن يجبره اعتصام مشترك، أو انتساب إلى تحالف وطني أصبح كما يبدو في ذمة التاريخ.
وأضاف الصدر في بيانه: "ومن هنا صار لزاماً علينا تقديم بعض النقاط التالية: أولاً، على الرئاسات الثلاث التنسيق بعقد جلسة برلمان وتقديم كابينة التكنوقراط المستقلة في مدة أقصاها 72 ساعة، مع الإبقاء على الاعتصام داخل قبة البرلمان (...)". (والصدر هنا يعلن دعمه لرئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ويبطل ما قام به النواب المعتصمون من إقالة الجبوري).
وأكمل السيد الصدر بيانه بالقول "وعلى رئيس الوزراء إعطاء مدة زمنية محددة لتصحيح مسار باقي العملية السياسية كالدرجات الخاصة والهيئات وغيرها.. على ألا تزيد هذه المدة عن 40 يوما.
ﻭﻗﺎﻝ الصدر في بيان السبت إنه سيستأنف الاحتجاجات ﻓﻲ ﻏﻀﻮﻥ 72 ﺳﺎﻋﺔ في حال فشل ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﻱ وﻣﻌﺼﻮﻡ والجبوري.
وقد رد "حزب الدعوة" على بيان الصدر بالقول إن مهاجمي الأمين العام لـ"حزب الدعوة الإسلامية" لا يمتلكون رؤية واضحة للإصلاح و"يتخبطون بمواقفهم".
وكان المالكي قد أكد أن "ما يجري داخل مجلس النواب هو حراك سياسي ناضج.. وأنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في الأخطاء التي عانت منها العملية السياسية".
وعلى الرغم من معارضته في وقت سابق للاعتصامات أمام المنطقة الخضراء، التي قال إنها تهدف إلى إسقاط العملية السياسية، فإن تقارير تفيد بأن المالكي يعمل على توظيف الأزمة الراهنة لإطاحة العبادي.
وفي ضوء احتمال أن يدعو الصدر أنصاره إلى التظاهر من جديد، كشف مصدر نيابي أن رئيس الجمهورية دعا إلى اجتماع الرئاسات الثلاث وزعامات الكتل اليوم الأحد (17 04 2016). وقال المصدر، إن "رئيس الجمهورية فؤاد معصوم دعا إلى اجتماع الرئاسات الثلاث وزعامات الكتل السياسية (...) لمناقشة التطورات وبيان الصدر
الأخير".
وهكذا، يتطور المشهد السياسي العراقي إلى أبعاد جديدة وواقع جديد لا يمكن تجاوزه، وربما لا يمكن ضبطه أيضا. ولم يعد بالإمكان الاستمرار في تجاهل جذور الأزمة العراقية ولا اختزالها بمعتصمين وغائبين، أو في أقطاب متنافرة داخل التحالف الوطني أو خارجه، فشلت في حلحلة أزمة تنافرها على مدى 13 عاما.
كما لم يعد بالإمكان الاستمرار في الهروب إلى الأمام من استحقاقات الإصلاح والمصالحة المؤجلة منذ عام 2005 في ظل صراع الأجندات المحلية والإقليمية والدولية في "عراق-2003" على شكل وطبيعة وهوية ودور العراق الجديد.
على أن ما يحدث تحت قبة البرلمان ليس اعتصاما لأجل إصلاح، ولا انتفاضة في نيسان، بل صدى لفوضى يعيشها العراق منذ عام 2003، وتعبير عن أزمة عملية سياسية أصبحت في عداد الأموات، تُعد كل محاولة لبث الحياة بها هروبا للأمام من مواجهة الحقيقة ومن استحقاقات المصالحة
والإصلاح.