عندما قال الملك للإخوان: إذا غيرتم فخبرونا كي نغير

كتب الوزير الاسبق الدكتور بسام العموش مقالاً تحت عنوان "الأردن والإخوان"، جاء فيه:


دخل الأردن - وهو الدولة الوحيدة في العالم التي رخصت وجود جماعة الإخوان المسلمين - مرحلة جديدة في التعامل مع وجودهم وهي مرحلة السلبية والتي تتدرج نحو الهدف النهائي وهو إنهاء ذلك الوجود.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه يقول: ماذا عدا مما بدا؟ ما الذي جرى بين الدولة الأردنية والإخوان؟ فتجربة العيش المشترك طويلة بدأت مع الاستقلال حيث نشأت الجماعة مع استقلال الدولة، وعبر السنين السبعين كان هناك تعاون في المفصليات التي مرت فيها المملكة، فالملك عبدالله الأول هو الذي افتتح أول دار للإخوان، وكان مؤسسو الجماعة على علاقة وثيقة بجلالته حيث كانت أبوابه مشرعة لهم يستقبلهم ويستمع إليهم، وحين جاء الملك طلال لم يطرأ أي تغيير على العلاقة، ثم جاءت مرحلة الملك الحسين وهي المرحلة الأطول في تاريخ الأردن (سبع وأربعون سنة)، وشهدت العلاقة خلالها تعاوناً استراتيجياً فقد وقف الإخوان في خندق المناهضة للانقلابيين البعثيين والناصريين بالرغم من أن الإخوان ليسوا قوة عسكرية لكنه موقف شعبي عبروا عنه بصور متعددة منها التظاهر والبيانات والخطب، كما وقف الإخوان ضد مصادمة الفدائيين للدولة الأردنية حيث كان أبو عمار يطمع بالاستيلاء على السلطة في الأردن بتوجيه من عبدالناصر ودعم سوريا والعراق وليبيا، كما لم يستغل الإخوان أحداث الجنوب كما فعل اليساريون.

هذا كله يحفظه النظام الأردني بالرغم من تفهمه أن الإخوان بمواقفهم هذه كانوا يدافعون أيضاً عن أنفسهم لأن المتحركين في كل هذه المحطات هم أعداء للإخوان ولو صار لهم الأمر لكان الإخوان في مقدمة ضحاياهم كما حصل في مصر وسوريا والعراق وليبيا.

وقد عبر الملك الحسين عن امتنانه لمواقف الإخوان وعبر عن ذلك عام ١٩٩٧م في معرض دعوته لهم للمشاركة في الانتخابات.

منذ هذا العام أعني ١٩٩٧ بدأ الخطاب الإخواني في التغير حيث دخل الحدية والتحدي وصار أقرب لخطاب اليساريين الثوريين!

وحينما حل الربيع العربي على الأمة ظهر خطاب مختلف جداً لإخوان الأردن حيث شعروا بأنهم على أعتاب الدولة الإخوانية وبخاصة بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي في مصر ووجود حماس في غزة وكانت قراءتهم أن تؤول لهم الأمور في تونس وسوريا وليبيا كما شعروا بأن تركيا تقف معهم، كل هذا دفع إخوان الأردن لرفع وتيرة الخطاب والتحدي وفرض الشروط، وراح واحد منهم يقول: نحن نجلب الغاز المصري للأردن ، وراح قائدهم يرفض أي قانون للانتخاب معلناً أن مطلب الإخوان تعديل المواد ٣٤ و٣٥ و ٣٦ من الدستور وهي المواد التي تتعلق بصلاحيات الملك!

ويقيني أن الإخوان لم يفكروا بمن ستؤول له هذه الصلاحيات؟ فهل هم ضامن لرئيس الوزراء إذا كانوا يعنون ذلك؟ ماذا لو كان رئيس الوزراء يسارياً أو رأسمالياً أو أو أو؟

لقد حضرت شخصياً جلسة في حضرة الملك عبدالله الثاني حيث قال لقائد إخواني: إذا غيرتم فخبروننا كي نغير؟!! وفهمت من ذلك أن الملك يريد الاستمرار في العلاقة على سنن آبائه ملوك الأردن في العلاقة مع الإخوان، لكنه سيقرر تغيير ذلك اذا غير الإخوان سياستهم.

نعم لقد غيرت الجماعة طريقتها في التعامل مع المملكة ولهذا كان لا بد من التغيير، لكنه التغيير على الطريقة الأردنية وليس الطريقة المصرية أو السورية أو العراقية أو الليبية. إنها طريقة تتحدث عن حرفية القانون، فالإخوان جمعية وحين يصدر قانون للجمعيات ويطلب من الجماعة تصويب أوضاعها وفقه فعليها أن تفعل! تلكأ الإخوان وراح المراقب العام يقول إن الجماعة أكبر من القانون! مما دفع المنشقين عن الإخوان للاستفادة من الفرصة والحصول على رخصة باسم جمعية الإخوان! وهنا وقع الإشكال في وجه الجماعة! فمن هو ممثل الإخوان؟ الجماعة التي تستند الى التاريخ أم الجمعية التي تأقلمت مع الواقع وقنصت الرخصة؟ وهنا بدأ التنفيذ على الأرض حيث تم وضع الشمع الأحمر على مقار الجماعة التاريخية باعتبارها غير مرخصة، وهو تنفيذ لا يقف عند حدود الشمع الأحمر بل هو إعلان عن نهاية حقبة وبدء عهد جديد ينسجم مع المحيط العربي والسياسة الدولية.

ومهما تحدث الإخوان عن مؤامرة أو تسييس فإنهم بلا شك هم الذين لم يفهموا الظروف ولم يحسنوا التعامل معها. والأخطر قد يقع إذا قرر الإخوان المواجهة فإنهم بلا شك سيسارعون الى خط النهاية التي قد تكون سلبية عليهم وهو أمر مبارك دولياً ولن تبكي عليهم دول تعتبرهم جماعة ارهابية وهو ما لا نريده للأردن صاحب السياسة المتميزة.

وتوقعي أن يستسلم الإخوان لهذا الأمر ويكتفوا بالإعلان أنهم فكرة والأفكار لا ترخص، وأنهم ليسوا مجرد مقار، كما إن وجودهم الحزبي قائم عبر الذراع السياسية أعني حزب جبهة العمل الإسلامي وهذا لا يعني توقفهم عن نقد الخطوة الحكومية بل ربما سعوا للقاء جلالة الملك وفي ظني أن الأبواب قد أغلقها الإخوان يوم رفضوا دعوة الملك لهم عام ٢٠١٣ للمشاركة في الانتخابات .