خبراء يتفقون مع البنك الدولي حول فشل سياسات محاربة الفقر بالمملكة
اتفق خبراء اقتصاديون ضمنيا مع تقييم البنك الدولي حول فشل سياسات مكافحة الفقر في المملكة.
ويرى هؤلاء بأنّ عدم وجود جهة واحدة مسؤولة عن وضع السياسات، إضافة الى عدم الاعتماد على فرق مختصة ساهم في عدم وضع الحلول المناسبة لهذه المشكلة.
وذهب آخرون الى أنّ الوضع الاقليمي الذي تعيشه المنطقة قلل من نمو الاقتصاد الأردني وتراجع الاستثمار الأجنبي، ما أدى إلى عدم خلق فرص عمل وزيادة البطالة وبالتالي الفقر.
وكان البنك الدولي أشار إلى أنّ السياسات التي تضعها الحكومة الأردنية أنسب لمواجهة "الفقر المزمن"، وليس مشكلة الفقر بشكل عام، كما أشار إلى أن "مقاييس الفقر السنوية لا تعكس حجم الفقر الصحيح".
وكانت مصادر موثوقة أكدت ارتفاع نسبة الفقر التي أظهرها المسح الميداني لدخل ونفقات الأسر للعام 2013 في المملكة لتصل إلى 20 %، مقارنة مع 14.4 % العام 2010 ( وهو آخر رقم معلن رسميا من قبل الجهات الحكومية)، ما يعني أن معدل الفقر ارتفع محليا بنسبة تصل 5.5 %.
كما كشف مسح الأمن الغذائي في الأردن للعام 2013/2014 أشار إلى أنّ هناك 6.2 ألف أسرة في المملكة غير آمنة غذائيا، مقارنة بـ 3.88 ألف أسرة في العام 2010 غير آمنة غذائيا.
وقال المسح أنّ هناك 71.3 ألف أسرة تعتبر هشة نحو انعدام الأمن الغذائي، فيما ّهناك 1.1 مليون أسرة آمنة غذائيا.
وزير تطوير القطاع العام سابقا، الدكتور ماهر المدادحة، لخص أسباب استمرار فشل سياسات الفقر بأربعة أسباب أولها بأنّ "هناك مشكلة في البناء المؤسسي لعملية بناء السياسات، حيث أنّه ليس هناك جهة واحدة مسؤولة عن وضع سياسات معالجة الفقر، بل هناك تضارب فيما بينها، ما يؤدي الى تشتت الجهود في وضع السياسات الصحيحة وتطبيقها".
أما السبب الثاني الذي أورده المدادحة فهو "تراجع النمو الاقتصادي"؛ حيث يرى بأن هذا التراجع أدى الى التقليل من نجاح سياسات تقليل الفقر وان كانت على بساطتها وضعفها.
وأضاف المدادحة إلى الأسباب "ارتفاع أعداد السكان" الذي أدى إلى ضغط على الموارد الاقتصادية، فيما زاد إلى الأسباب "الوضع الاقليمي" الذي أدى إلى تراجع النمو الاقتصادي وتراجع الاستثمارات الأجنبية التي تعد مفتاح فرص العمل، وبالتالي تقليل الفقر.
أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك، الدكتور قاسم الحموري، يرى أنّ المشكلة تكمن في أنّ" دراسات الفقر لا تتم بالعملية العلمية المناسبة، حيث يتم دراسة الفقر من المكاتب بعيدا عن الدراسات الميدانية".
وأضاف أنّ دراسات الفقر بحاجة لان تتم من خلال فرق عمل متخصصة ومتكاملة تضم متخصصين من علم الاجتماع والاقتصاد والتربية والانثروبولجي وذلك لتشخيص اسباب الفقر في كل منطقة.
وأشار الى أنّه خلال السنوات الماضية لم يتم وضع معالجات علمية صحيحة للفقر، وكانت تعالج بالمساعدات المالية والغذائية دون إعادة تقييم لمثل هذه التدخلات ومدى قدرتها على معالجة الفقر.
الخبير الاقتصادي، الدكتور مازن مرجي، اعتبر بأنّ الحكومة نجحت بجانب واحد في مشكلة الفقر وهي "وضع قاعدة معلومات عن معدلات الفقر وتواجدها وخط الفقر وغيرها".
لكنه أكد بأنها "لم تنجح بمحاربة الفقر" حيث أنها لم تخلق برامج ومشاريع من شأنها أن تعالج هذه المشكلة، واصفا بعض هذه المشاريع بالـ "الخاطئة" والبعض الآخر بـ"القاصرة".
وأضاف مرجي بأنّ "برامج الإصلاح الاقتصادي" و"الخصخصة" التي طبقتها الحكومات كانت سببا في زيادة نسب الفقر، وخصوصا أنّها ساهمت في تسريح أعداد من الموظفين كما أدت الى عدم تلقي الكثير للدعم، ملمحا الى أنّ ما طبقته الحكومة من زيادة مخصصات المعونة الوطنية والضمان الاجتماعي ساهم في امتصاص المشكلة ومظاهرها بشكل مؤقت لكنه لم يحلها".
وأضاف مرجي إلى الأسباب "عدم وجود شبكة أمان اجتماعي متكاملة" وذهاب جزء كبير من المساعدات الموجهة لحل هذه المشكلة للشركات الاستشارية ودراسات الجدوى والفساد الذي يستنزف هذه المساعدات.
ويشار هنا الى أنّ البنك الدولي كان ألمح إلى ظاهرة جديدة في الأردن هي ظاهرة "الفقراء العابرون"؛ حيث أشار البنك الى أنّ ثلث سكان المملكة عاش دون خط الفقر، أقّله خلال ربع واحد من أرباع السنة. بمعنى آخر، 18.6 % من مجموع السكان الذين لا يُصنّفون كفقراء بحسب تقديرات الفقر السنوية اختبروا الفقر خلال فترات معيّنة أوهذا ما يسمى بـ"الفقر العابر".
وأشار البنك الى أن غالبية هؤلاء الذين يختبرون الفقر العابر هم في الشريحة الأكثر عوزا والتي تشكل 40 % من السكان (من حيث نصيب الفرد من الاستهلاك).
ويرى البنك بأنّ مقاييس الفقر السنوية لا تعكس حجم الفقر الصحيح. فمعدلات الفقر القائمة على مستويات الاستهلاك السنوية تقنّع حدة التأثر التي تواجه عددا كبيرا من الأسر. كما تختلف فعالية التدخلات السياسية للحد من حدة التأثر مقابل الفقر. على سبيل المثال، يمكن معالجة حدّة التأثر جزئيا عن طريق تدخلات تساعد الأسر على تقليل نفقات الاستهلاك الخاصة بهم (التحويلات النقدية على سبيل المثال)، في حين أن الاستثمارات الطويلة الأجل في قضايا الفقراء، كتلك الرامية إلى تعزيز أصولهم البشرية والمادية، أو عائدات هذه الأصول، قد تكون أكثر ملاءمة للحد من الفقر المزمن.
كما كان البنك أشار إلى أنّ النتائج المرجوّة من مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية الذي أغلق في شهر آب (أغسطس) 2013 أن يحسّن إدارة وعمليات برامج المساعدات الاجتماعية النقدية ويعزّز جودة خدمات الرعاية الاجتماعية وفرص الوصول إليها. إلا انّ هذا المشروع "لم ينجح في تحقيق أهدافه التنموية".