تدمر بعد "داعش": إعادة سيناريو اجتياح روما الوحشي
بعد نحو 18 قرنا من استباحة روما للشرق، حيث قادت الملكة زنوبيا مع زوجها أُذينة عصياناً على الإمبراطور أورليان، تقع المدينة في قبضة تنظيم إرهابي لم يستلهم من التاريخ إلا أقبح صفحاته الهمجية، ليحيل أهم معالم المدينة إلى أنقاض تحكي مأساة حضارة شرقية كانت ذات يوم ملء العين والبصر.
بعد استعادة المدينة من قبل الجيش النظامي السوري، وطرد التنظيم الإرهابي، يظهر كما لو أن "داعش" أراد الانتقام من الحجر، فكل حجر قائم هو بالنسبة إليه أنصاب وأزلام وأصنام وأوثان.
احتلال "داعش" لتدمر كان رمزا، كونها مدينة امرأة تاريخية جرؤت على عصيان الإمبراطورية الرومانية، واعتلاء سدة الحكم بعد وفاة زوجها.
زنوبيا كانت ترتدي عمامة كسرى أثناء استقبالها الوفود في ديوانها الملكي، وخوذة أبولو أثناء الحرب، وتمتطي الجياد وتنازل الفرسان.
وربما تشبهت بزنوبيا القديسة الفرنسية جان دارك في القرن الخامس عشر الميلادي، حين قادت جيش بلادها في غير موقعة، وكانت ترتدي ملابس الرجال.
بيد أن "داعش" لم يكن هناك، حين تولت زنوبيا الملك، ولم تكن قد بلغت من العمر سوى 14 عاما؛ وكذلك حين سيطرت "الملكة المحاربة" على جزء كبير من الشرق.
لم يسأل الداعشيون أنفسهم لماذا ترك الرسول الكريم وخلفاؤه الراشدون هذه الآثار من الأمم الأولى في مصر وبلاد الرافدين وبلاد الشام. ولماذا دعا القرآن الكريم إلى الاعتبار بها، ربما لأن هذا زمن ليس للعبرة والاعتبار، بل للحقد والانتصارات الموهومة والهدم لا البناء.
لذا، تقاطبت على بلاد الشام عصابات الإرهاب من عشرات الدول، واحتل التنظيم الدموي "لؤلؤة الصحراء" في أواخر أيار (مايو) 2015، فأذاق أهلها صنوف العذاب.
وفي منتصف آب (أغسطس) من العام الماضي، وفي تراجيديا عالية بأسلوب "داعش" الهمجي الاحتفالي، قطع التنظيم رأس مدير آثار ومتحف تدمر لأكثر من 40 عاما الشيخ الثمانيني خالد الأسعد، بعد رفضه الكشف عن أماكن الآثار المخبأة، ثم عُلقت جثته المدماة على عمود كهرباء في وسط المدينة.
"داعش" حوّل بعض المعالم الأثرية الأكثر تميزا في تدمر إلى حطام، تاركا خلفه، بعد طرده من المدينة، أعمدة وتماثيل صمدت مئات السنين، مجرد أكوام من الحجارة المبعثرة، واستباحوا معبد "بل"، أبرز معالم المدينة، والذي استغرق بناؤه نحو قرن من الزمن. اما اليوم فقد تحول الموضع المخصص لإله المعبد، وهو الأكثر تميزا، إلى حطام، ولم يبق منه سوى السور والمدخل والساحات الخارجية.
يقول مدير المتاحف والآثار في سورية مأمون عبد الكريم "بالطبع لن يعود معبد بل كما كان".
وينقل عن الخبراء أنه من الممكن ترميم ثلث الموضع المخصص لإله المعبد المدمر، وربما أكثر، بانتظار أن تقوم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) بدراسة للوضع. ويتطلب ذلك، بحسب عبد الكريم، "خمس سنوات من العمل