صدام قاتل من أجلها.. وحاكم الشارقة سمح بتواجد عسكري إيراني.. جزر الامارات الثلاثة

وكاله جراءة نيوز - عمان - تحتل الجزر العربية الثلاث الواقعة في الخليج العربي موقعا استراتيجيا مهما، خصوصا من ناحية اشرافها على مضيق هرمز، هذا المضيق الذي يمر عبره البترول العربي. وتشكل الجزر العربية »جزيرة ابو موسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى« مركزا للمراقبة يمكن منه رؤية سواحل العراق وايران والسعودية، واهمية هذه الجزر لا تقل عن اهمية جزيرة »هرمز« بالنسبة للمضيق، او طنجة وجبل طارق في مدخل البحر الابيض المتوسط، او عدن في مدخل البحر الاحمر، والذي يسيطر على هذه الجزر يسيطر تقريبا على حركة المرور المائي بالنسبة للداخل والخارج للخليج العربي. * جزيرة ابو موسى: تقع على بعد 94 ميلا من مدخل الخليج عند مضيق هرمز، تبعد حوالي 67 كم عن الساحل الايراني، و42 كم عن الساحل العربي لدولة الامارات العربية المتحدة »امارة الشارقة«، مساحتها 20 كم مربع، اقصى طول لها 5 كم، واقصى عرض 9 كم، وهي جزيرة مستطيلة الشكل، يتكون سطحها من سهول رملية مغطاة بأعشاب جافة، يبلغ ارتفاعها 360 قدما عن سطح البحر، تتوافر فيها المياه الصالحة للشرب، وتحتوي على خامات بعض المعادن مثل الاكسيد الاحمر، يصل عدد سكانها الى 1000 نسمة وهم من العرب، وفيها مدرسة ومسجد كبير، ويعمل السكان بالصيد والرعي والزراعة.

* طنب الكبرى: تقع على بعد 59 كم جنوب غرب جزيرة قشم، وتقع الى الشمال الغربي من جزيرة ابو موسى وتبعد عنها 24 ميلا، وتبعد عن رأس الخيمة 35 كم، دائرية الشكل قطرها 3،5 كم، ومساحتها 9 كم مربع، تتوافر فيها المياه العذبة، وسكانها حوالي 700 نسمة، وهم من العرب، فيها

مدرستان ومركزا للصحة ومركز للشرطة.

* طنب الصغرى: تبعد 90 كم عن الساحل العربي، و28 كم عن جزيرة »طنب الكبرى«، شكلها مثلث يبلغ طولها 2 كم، وعرضها 1 كم، وهي خالية من السكان، وترتفع 116 قدما عن سطح البحر.

2- نظرة تاريخية للصراع على الجزر حتى عام 1971:

كانت ايران منذ مطلع القرن الحالي تطالب بمجموعة من الجزر العربية في الخليج العربي مثل »جزيرة سرى« في البحرين، وجزر طنب الكبرى والصغرى، و»جزيرة ابو موسى«، وكانت بريطانيا تؤيد طوال القرن التاسع عشر حق العرب في السيادة على الجزر، وقد استطاعت ايران عام 1887 السيطرة على جزيرة »مسرى« برفع العلم الايراني عليها، وقد عارضت بريطانيا في البداية هذا الامر، لكنها اذعنت للسيطرة الايرانية على الجزيرة.

وفي عام ،1904 انزل الايرانيون الاعلام العربية عن »ابو موسى« و»طنب الكبرى والصغرى«، ورفعوا العلم الايراني بالقوة، لكن بريطانيا طالبت بإنزال الاعلام الايرانية - باعتبارها هي المستعمرة لامارات الخليج العربي.. ونتيجة للضغط البريطاني انسحبت قوة الحراسة الايرانية بعد فترة وجيزة لاحتلالها الجزر. لكن ايران عادت وطالبت بالجزر عام ،1923 لكن مساعيها باءت بالفشل.

في عام ،1928 طردت ايران شيخ جزيرة »هنجام« وهي جزيرة تقع مقابل الشاطئ الجنوبي لجزيرة »قشم«، وسكانها عرب من قبيلة »بني ياس«، وكانوا قد استقروا في »هنجام« منذ عام 1926 بإذن من سلطان مسقط. وقد رفع حاكم رأس الخيمة سلطان بن سالم علمه على جزر »طنب« عام ،1929 وبذلت ايران مساعيها الحثيثة لاستئجار جزر »طنب« من حاكم رأس الخيمة الشيخ سلطان، لكنه رفض الطلب، وكانت بريطانيا تحث الشيخ على رفض الطلب، لأن ذلك يتعارض ومصالحها.

وبالنسبة لجزيرة »ابو موسى« فقد بقيت امارة الشارقة تمارس سيادتها الفعلية عليها، وفي عام 1935 منح حاكم الشارقة شركة بريطانية امتيازا باستخراج الاوكسيد الاحمر لمدة 6 شهور.

وفي عام 1964 احتلت ايران جزيرة »ابو موسى« ولاقى الاحتلال احتجاجا شديدا فصرح وزير خارجية ايران بأن الانزال الايراني في الجزر كان مناورة حربية طارئة اشترك فيها الاسطولان الايراني والامريكي وليس القصد الاحتلال، وانسحبت القوات الايرانية بعد عشرين يوما من الانزال.

وعادت ايران في العام 1964 بتقديم طلب لحاكم رأس الخيمة للتخلي عن الجزر مقابل مساعدته في بناء المدارس والمستشفيات لكنه رفض الطلب الايراني. لكن في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1971 وقع الشيخ خالد بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة اتفاقا مع ايران وبوساطة وليم لومس المبعوث الشخصي في الخليج للسير اليك دوغلاس هيوم وزير الخارجية البريطاني وقد تم الاتفاق على ان تمارس الشارقة السيادة الفعلية على جزيرة »ابو موسى«، وان يكون المواطنون في الجزيرة تحت سلطة واختصاص حكومة الشارقة، وان يرفع علم الشارقة على الجزيرة، وان يتم اقتسام دخل البترول إذا تم اكتشافه مناصفة، وان يسمح لإيران بأن تصل قواتها الى منطقة متفق عليها في الجزيرة بين الطرفين، مقابل ان تدفع ايران للشارقة مبلغ مليون ونصف المليون جنيه استرليني ولمدة تسع سنوات.

3- الاحتلال الايراني للجزر ،1971 وردود الفعل العربية:

استغلت ايران اعلان بريطانيا الانسحاب من الخليج العربي في نهاية عام ،1971 وقامت في صباح يوم الثلاثاء الموافق من شهر نوفمبر/تشرين الثاني ،1971 باحتلال الجزر العربية الثلاث، حيث قامت قوة كبيرة من الجيش الايراني يساندها سلاح البحرية بمهاجمة جزيرتي »طنب الكبرى وطنب الصغرى« واحتلتهما بعد معركة بين رجال الشرطة التابعين لإمارة رأس الخيمة، والقوات الايرانية مما ادى الى استشهاد 6 اشخاص، ومقتل 3 افراد من القوات الايرانية.

وقدمت رأس الخيمة احتجاجا شديد اللهجة للحكومة البريطانية المسؤولة عن حماية هاتين الجزيرتين، حيث ان بريطانيا لم تنسحب بعد من الامارات العربية، حيث اعلنت انها ستنسحب في الثاني من شهر ديسمبر/كانون الاول ،1971 لكن بريطانيا لم تكترث لموضوع الاحتلال الايراني للجزر، ولم تحرك ساكنا، واكملت القوات الايرانية في اليوم نفسه احتلالها لجزيرة »ابو موسى« وقامت بطرد السكان العرب من الجزر الثلاث. وقام الشعب في الشارقة ودبي ورأس الخيمة بمظاهرات استنكرت الاحتلال الايراني للجزر وطالبت بالانسحاب، وهاجمت المصالح التجارية البريطانية والايرانية في الامارات الساحلية.

وكذلك وقفت الدول العربية موقفا رافضا للاحتلال الايراني للجزر، حيث قطعت العراق علاقاتها الدبلوماسية مع ايران وبريطانيا، وطالبت بعقد مجلس الامن لبحث مسألة الاحتلال الايراني للجزر العربية، وقامت ليبيا بتأميم شركة بريتش بتروليم البريطانية، وسحبت ودائعها من البنوك البريطانية رداً على تواطؤ بريطانيا مع ايران باحتلالها للجزر، واحتجت كل من سوريا والكويت ومصر بشدة على الاحتلال الايراني للجزر الثلاث، وطالبت بالدخول في مفاوضات لحل المسألة، وطالبت امارة ابوظبي بحل المسألة سلميا، لكن الاحتجاجات والتنديدات لم تزحزح جنديا ايرانيا واحدا، ولم تؤثر على ايران في استمرارها لاحتلال الجزر الثلاث.

واستمر الشعب في الامارات العربية بالقيام بمظاهرات عامة في ذكرى احتلال الجزر، لسنوات لاحقة للاحتلال الايراني.

4- موقف جمهورية ايران الاسلامية من الجزر 1979 - 1981:

بقيت مسألة الجزر العربية مجمدة على الرف الى ان وقعت الثورة الاسلامية الايرانية في بداية عام ،1979 وعادت مسألة الجزر العربية تطفو على السطح من جديد، وقد تفاءل الكثيرون وتوقعوا بأن تقوم حكومة ايران الاسلامية بإعادة الجزر العربية الثلاث الى السيادة العربية كبادرة حسن نوايا من جانبها، لكن شيئا من هذا لم يحدث.

فقد اذاع راديو طهران بأن القوات الايرانية لن تنسحب من الجزر الثلاث، واكد الرئيس ابو الحسن بني صدر ذلك بقوله ان ايران لن تعيد الجزر العربية الثلاث التي احتلتها عام ،1971 ونسبت اليه مجلة »النهار العربي والدولي« قوله »لا ننوي اعادة هذه الجزر، بل بالعكس انوي تنظيف الخليج من الوجود الامريكي ومن كل ما هو مرتبط بالولايات المتحدة«. واضاف »انه يوجد في طرف الخليج العربي مضيق هرمز الذي يمر عبره النفط وهم خائفون من ثورتنا فإذا سمحنا لهم بالحصول على هذه الجزر فإنهم سيسيطرون على الممر، اي ان الولايات المتحدة ستسيطر على هذا الممر، فهل يمكن ان نقدم هذه الهدية للولايات المتحدة؟

وقام وزير خارجية ايران السابق، قطب زادة، بمهاجمة تصريحات ادلى بها »ابو الهول« احد القادة الفلسطينيين، حول الجزر، وطالب قطب زادة من منظمة التحرير الفلسطينية تقديم ايضاح رسمي حول تصريحات »ابو الهول« التي قال فيها ان الجزر الثلاث يجب ان تعود للسيادة العربية بعد اجراء مفاوضات مع الثورة الايرانية، واضاف زادة، ان مثل هذا التصريح يدعو للأسف الشديد.

وكذلك طالب وزير خارجية العراق سعدون حمادي في رسالة بعث بها الى الامين العام للامم المتحدة كورت فالدهايم بالانسحاب الايراني من الجزر العربية، لكن قطب زادة عاد وقال: »على العالم ان يعرف اننا لن نتخلى حتى عن سنتيمتر واحد من اراضينا«.

وذكرت الانباء ان الجزائر ستتوسط بين الامارات العربية المتحدة وايران لإعادة الجزر، لكن احد اعضاء الوفد الجزائري الذي زار الامارات العربية في اواخر عام 1980 برئاسة وزير الخارجية الجزائري محمد بن يحيى قال: بأنه يستحسن تأجيل الموضوع الى ما بعد انتهاء الحرب العراقية - الايرانية وذكرت الانباء ان ايران تؤيد المسعى الجزائري، وتوافق عليه.

وطالبت دولة الامارات العربية المتحدة ايران بتسوية موضوع الجزر بالطرق السلمية والوسائل الدبلوماسية المعتمدة على الشرعية الدولية، وذلك في رسالة بعثت بها الى الامم المتحدة، واعلن راشد عبدالله وزير الدولة للشؤون الخارجية ان الامارات تسعى بالطرق السلمية الى تأمين عودة الجزر الثلاث وقال: لقد طالبنا مرارا بهذه الجزر بالطرق الدبلوماسية، ونحن نسعى بالطرق السلمية للوصول الى حقنا. ولا نريد غير هذا الحق. وفي رأس الخيمة اعلن صقر القاسمي حاكم الامارة، بأن اتصالات بطرق خاصة قد حصلت مع الامام الخميني بشأن الجزر، وان موافقة مبدئية على التفاهم بشأن الجزر قد ابداها الامام الخميني. وقال ان مسؤولية الجزر هي مسؤولية الدولة والامر يخص الدولة ولا يعني الامارة فحسب. وقد أيد المجلس الوطني الاتحادي الجهود التي تبذلها الحكومة لاستعادة الجزر، ودعا الى البدء في مفاوضات بين الطرفين لإنهاء ازمة الجزر.

لكن رغم ذلك لم تبد ايران تجاوبا ملموسا ايجابيا بل على العكس، فقد قامت مؤخرا بتعزيز نشاطها في الجزر، حيث ترابط سفينة حربية ايرانية الى جانب جزيرتي طنب، وكذلك توجد طائرات الهيلوكبتر هناك.

وفي بداية عام ،1981 صرح الدكتور علي شمس اردكاني السفير الايراني في الكويت بأن الجزر ايرانية ولا نقبل التفاوض بشأنها. بل ان ايران قد ذهبت الى تحذير وتهديد الامارات العربية المتحدة من اثارة موضوع الجزر او المطالبة بها وجاء التحذير على لسان الناطق الرسمي الايراني بهزاد نبوي حيث حذر الامارات من التورط فيما اسماه بـ »المؤامرات الامبريالية بالمنطقة« وتعلل ايران عدم انسحابها من الجزر بالخوف من التدخل الامريكي.. حيث قال وزير المواصلات الايراني موسى كلافتري، الذي زار دمشق مؤخرا »ان المسؤولين الايرانيين اجروا محادثات مع دولة الامارات العربية المتحدة، حول جزر طنب الكبرى والصغرى، وابو موسى«، واضاف بأن الايرانيين يرون ان انسحابهم من الجزر سيفتح الباب امام التدخل الامريكي فيها واشار الى ان القوات الايرانية باقية فيها حتى لا تستخدم كقواعد عسكرية ثابتة ضد شعوب المنطقة.

لكن المصادر الرسمية لدولة الامارات العربية قد نفت بشدة أي اجتماع بين المسؤولين الايرانيين والمسؤولين في دولة الامارات العربية وعلى اراضيها بشأن الجزر العربية الثلاث.

عروبة الجزر

تعتبر الجزر الثلاث عربية تاريخيا وسياسيا وقانونيا وسكانيا، فبريطانيا الدولة المستعمرة للمنطقة تعترف بأن الجزر الثلاث هي جزر عربية، ويقول لوريمر واضع كتاب »دليل الخليج« ان تبعية جزر »ابو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى« تعود الى حاكم الشارقة.. وقد مارست رأس الخيمة والشارقة سيادتهما الفعلية على الجزر فيما يختص بالشرطة والتعليم، وكان العلم العربي يرفع على الجزر.

وكذلك فإن الجزر الثلاث تقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للامارات العربية المتحدة والتي تمتد حتى نقطة الوسط في الخليج بحيث تقسم منطقة الخليج افقيا وطوليا بشكل متساو من قبل الدول المستفيدة من مياه الخليج. والجزر هي اقرب الى المياه الاقليمية لدولة الامارات العربية المتحدة منها الى المياه الاقليمية الايرانية.

وسكانياً فإن سكان الجزر هم عرب، وقد استوطنوا هناك منذ زمن يعود الى ما قبل القرن التاسع عشر.

واخيراً فإن الاحتلال لا يعتبر سنداً قانونياً لتمارس ايران سيادتها على المنطقة المحتلة، وكذلك فإن تبريرات السلطات الايرانية للاستمرار في احتلال الجزر بدعوى منع »التدخل الامريكي« سبب واهٍ وغير قانوني، حيث ان دولة الامارات العربية المتحدة ترفض التدخل الاجنبي على اراضيها.