محللون: رحلة الحل السياسي السوري لا تبدأ إلا بتفاهم روسي أميركي
يرتبط إنجاح نداء معارضي الداخل السوري، الذي اطلقوه من مطار "حميميم" امس السبت، لترسيخ الهدنة، واطلاق عملية سياسية، تنبثق عنها صياغة دستور جديد وانتخابات ديمقراطية، بمستوى التفاهم الروسي الاميركي على الخطوات اللاحقة، وإن كان هذا النداء متناقضا الى حد بعيد مع ما يطلقه اركان معارضة الخارج، التي وضعت كلّ "البيض" في السلّة الإقليميّة، حسب محللين.
أمس، تحول مطار حميميم السوري لمركز للمصالحة بين السوريين، إذ توافدت وفود مثلت أطيافا سياسية معارضة ودينية وأهلية في إطار الهدنة المعلنة ومساعي السوريين للمصالحة.
وبين الأطراف المشاركة في "حوار" حميميم السوري، ممثلون عن تيار "من أجل سورية الديمقراطية"، وزعيم حزب "المؤتمر الوطني"، إضافة إلى شخصيات دينية، وممثلين عن فصائل المعارضة السورية المسلحة.
وأجمع الحضور على أن وقف إطلاق النار المعلن في سورية مؤخرا قد دفع بالحوار السياسي السوري قدما، وأكدوا على وحدة الموقف إزاء مستقبل سورية.
ميس الكريدي الناطقة باسم تيار "من أجل سورية الديمقراطية"، وفي تعليق على اللقاء قالت: "لقد حل السلام أخيرا في أرضنا بدعم من الجانب الروسي، وقمنا أخيرا بالخطوة الأولى على مسار وقف إطلاق النار".
وأضافت: "بدأت أوضاع السوريين تتحسن منذ الـ27 من الشهر الماضي. بلادنا بحاجة إلى دستور جديد، مما يحتم علينا حشد جميع القوى وسائر القادة الميدانيين ورجال الدين. علينا حشد الجميع باستثناء الإرهابيين الذين لا محل لهم في سورية. وبعد المفاوضات سيصبح بوسعنا تبني دستور جديد وإجراء انتخابات وإصلاحات ديمقراطية وإرساء ثقة الشعب التامة بالسلطة".
الشيخ صالح الحارب المنتمي إلى المعارضة السورية المعتدلة، شدد على أهمية الحوار السياسي بالنسبة إلى السوريين وبغض النظر عن مكان استضافته إن كان في جنيف أو في فيينا.
وأضاف: "الأمر الأهم في كل ذلك يكمن في إطلاق الحوار بحيث نخرج من الأزمة. نحن على يقين تام بأهمية دور روسيا في بلادنا، إذ هي التي بادرت إلى اتفاق الهدنة، وتلعب دور الوسيط بين جميع أطراف النزاع".
أمّا إليان مسعد الأمين العام لحزب "المؤتمر الوطني من أجل سورية علمانية"، فاعتبر بدوره أن من شأن الدستور الجديد حماية حقوق الشعب السوري، وإطلاق الإصلاحات الدستورية.
واستثنت الهدنة في سورية، تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" الإرهابيين وجميع الزمر المسلحة التي صنفها مجلس الأمن الدولي في خانة الإرهاب في قرار تبناه بالإجماع دعم البيان الروسي الأمريكي لوقف إطلاق النار في سورية.
المحللون يلفتون الى ان "اتفاق وقف الأعمال القتالية" كان آخر المناسبات التي أوضحت الهوّة بينَ "الهيئة العليا للتفاوض" والمجموعات المسلّحة المنضوية تحت لوائها من جهة، وبين الداعمين الغربيّين والخطاب الدولي بعمومه من جهة أخرى. ففيما استمرّ هؤلاء في السعي إلى "بث الروح المعنويّة" في الاتفاق الهش، واصلت "الهيئة" إصرارَها على "نعي الاتفاق" والسعي إلى إظهاره في صورة "المولود الميت" منذُ الساعات الأولى لإعلان الراعيين التوصل إليه. أحدثُ الفصول في هذا السياق كان موعده المؤتمر الصّحفي الذي عقده «مُنسّق الهيئة» رياض حجاب في باريس الجمعة، وكرّسَ مُعظمَه للإيحاء بأنّ انهيار الهدنة بات قاب قوسين، حسب المحللين.
واعتبر المحللون، انه إذا كان من المفهوم في حالاتٍ مُماثلة أن يسعى كلّ طرف من أطراف الاتفاق إلى مهاجمة الآخر واتهامه بالتسبّب في إفشاله، فإنّ ذهاب حجاب بعيداً إلى حدّ التلويح بمقاطعة محادثات جنيف المُفترضة في التاسع من الشهر الجاري وتكرار كيل الاتهامات للإدارة الأميركيّة بالتآمر على "الثورة" جاءَ ليكمل الهدايا الكثيرة التي حصلت عليها دمشق من المُعارضة دونَ سواها.
وعلى الرغم من أنَ حجاب لم يُعلن بصراحة النيّة في مقاطعة المحادثات، لكنّه أكّد أنّ "الظروف غير مواتية . ولن نذهب إلى المفاوضات إلا على قاعدة عدم وجود أي دور للأسد وزمرته ممن تلطخت أيديهم بالدماء في مرحلة الانتقال السياسي"، وأضاف: "من المبكر القول إنّنا لن نذهب إلى المفاوضات في جنيف". وإكمالاً للمشهد، تزامنت تصريحات حجاب في شأن الهدنة مع تصريحاتٍ مشابهة أدلى بها "المسؤول السياسي لجيش الإسلام" محمّد علوش. الطرفان أكّدا مواصلة الجيش السوري وحلفائه حشد القوات تمهيداً للسيطرة على مزيد من الأراضي، وبشّرا بضآلة فُرص استمرار الهدنة. كذلك، أعلن "جيش الإسلام" مغادرة الهدنة، قبلَ أن تُعلن موسكو التوصّل إلى اتفاق معه، ويعاود نفي حدوث أي اتفاق.
على الضفة الأخرى، كانَ المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا يواصل النّهج الدّولي المتمثّل بالتقليل من خطورة الخروقات المتواترة للهدنة، والإيحاء بأنّها طبيعيّة ومُتوقّعة. دي ميستورا قال في مقابلة مع قناة «فرانس 24» إنّه "سيكون هناك دائماً من سينتهك الهدنة، ومن المتوقع أن نرى حالات عديدة لخرقها، ولا سيما من قبل تنظيمي داعش وجبهة النصرة". وتحدّث المبعوث الدولي عن "مُحفّزات ملموسة» للعملية السياسيّة، وأشار إلى أنّ "مصير الأسد شأنٌ سوري". الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانَ قد استمع من قادة عدد من الدّول الغربيّة ترحيباً باستمرار "صمود الهدنة الهشة وضرورة استغلالها" في دفع المسار السياسي، فيما دعت كلٌّ من فرنسا وبريطانيا وألمانيا المعارضة السورية إلى حضور المباحثات، مع تّأكيد ضرورة "السّماح بوصول المساعدات الإنسانية واحترام الهدنة".
النقطتان الأخيرتان وفقاً لما أكده مصدر من "الهيئة العليا للتّفاوض" مُدرجتان "ضمن عدد من الشروط التي أبلغتها الهيئة لبعض الأصدقاء". المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أكّد أنّ "الهيئة لن تذهب هذه المرة إلى جنيف قبل تحقيق شروطها، أو دعنا نقل مطالبها". ليبدو المشهد قبل أيام من المفاوضات الموعودة أشبه بالتمهيد لتكرار ما حصلَ في الجولة السّابقة: رفعُ السّقف ثمّ التمنّع عن الذهاب إلى جنيف..
في الساق ذاته، جاء أهم مفاعيل تصريح المسؤول الروسي سيرغي ريابكوف حول خيار الفيدرالية كحل لإنهاء الحرب في سورية، من قيادات سورية من بينها، الرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطية"، هيثم منّاع، الذي اعلن خلال زيارته مؤخرا لمحافظة الحسكة، "أن مجلس سورية الديمقراطية يتبنّى اللامركزية في الحكم، ولا نعتقد أي مشروع مركزي للحكم قادر على إعادة البناء والتنمية لسورية".
على أن القيادي الكردي البارز في "حركة المجتمع الديمقراطي"، ألدار خليل، ذهب في تحديد الرؤية الكردية في "الفيدرالية" بشكل واضح، من خلال تأكيده خلال محاضرة ألقاها في مدينة القامشلي، "أنّهم ككرد يتحضرون لمشروع الفدرالية من أجل سورية، وأنهم يسعون لتطوير سورية نحو سورية اتحادية ديمقراطية، وأن نموذجهم هذا سيكون النموذج الذي يحتذى به في جميع دول المنطقة". تصريح خليل بات يردّده عدد من القادة الاكراد في تصريحاتهم، مع التأكيد أن المرحلة تاريخية للأكراد، وعليهم أن يوحدوا رؤيتهم.
أمّا على الصعيد الرسمي السوري، فمرت أربعة أيام على التصريح الروسي، من دون أي تعليق. وبالعودة إلى المؤتمر الصحافي لنائب وزير الخارجية الروسي يُظهر أنّ كلامه جاء رداً على سؤال، متبوعاً بتأكيد أن أيّ خيار هو "نتيجة للمحادثات والنقاشات المتعلقة بشكل نظام الدولة المستقبلية... وأن يحفظ وحدة سورية وعلمانيتها واستقلالها". ورأى أنّ بلاده "لن تعترض أيضاً على أي نموذج آخر لسورية، شريطة ألا يكون من إملاء شخص على بعد آلاف الكيلومترات من سورية". مصدر سوري رفيع قال لـ إنّ "التصريح محرّف ولا يستأهل التعليق». الروس، برأيه، كانوا واضحين، إن كان على صعيد ما قاله ريابكوف أو التأكيد أول من أمس على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا بأنّ "بناء الدولة السورية يحدده السوريون أنفسهم من خلال
الحوار"