رسالة من معاذ الكساسبة إلى راشد الزيود

أخي الشهيد راشد الزيود ... أنا معاذ الكساسبه رفيقك في السلاح والوطن والشهادة أهلا بك في عليين وقد إلتحقت بركبنا , نحن الأخيار والسادة النجب ...أتسمح لي صديقي أن أكتب لك ....أنت وحدك وليس غيرك ... أتسمح لي ؟
حسنا ..أنا وأنت من رتبة واحدة , وعدونا واحد ...وقدر لنا أن نستشهد , في ظروف صعبة تمر على البلد , وأعرف أن دمعة أبيك تشبه دمعة أبي يا راشد وأعرف يا بن دربي ....أن حرقة قلب العشيرة التي تنتمي إليها هي ذاتها حرقة قلب عشيرتي ...وأعرف أيضا , أن رفاقك في السلاح بكوا عليك , تماما مثلما بكى رفاقي في السرب المقاتل حين مروا من فوق عي بلدتي في الكرك ...
أتدري يا راشد , لقد سلم الجيش لأهلي بعض أغراضي الشخصية التي تركتها في صندوق العهدة :- محفظتي , وبعض الأوراق ..وبطاقة الصراف الالي , والجيش اليوم سيسلم أهلك عهدتك الشخصية ...سيبكون وربما سيحترق قلب الوالد لوعة فأنا أعرف ماذا حدث لأبي , حين تسلم مقتنياتي ..ولكن لا عليك يا رفيق السلاح ..فنحن أبناء العشيرة والقرى المنسية حين نلتحق بالجيش وبالتحديد في السرايا ذات المهام الخطرة , يدرك أهلنا أننا لا نذهب للتسلية , وأننا مشاريع شهداء ...ونحيا في حواف الخطر ...
يا راشد ...أنت الان في عليين , ونحن ...الذين بنينا الوطن على أكتافنا , أهلي وأهلك يا راشد هم من بنوه...أهلك الطيبون وأهلي البسطاء , هؤلاء الناس الذين أحبوا الدولة وعشقوا الوطن , هؤلاء الذين لا يعرفون لغة الكوميشن ولا الشركات أو التكنوقراط ..فقط هم الذين تنطبق عليهم الاية الكريمة :- ( ويؤثرون على أنفسم ولو كان بهم خصاصة) ... وقدري وقدرك أن نبتلى بعشق البلد , وقدر البلد أن لا تعشق سوانا ولن ترضى بغيرنا فرسانا ...صدقني يا أخي وحبيبي ورفيق السلاح ...أن قريتي (عي ) في الكرك هي عند الله أعلى ميزانا من كل قصور عمان الغربية ...فالقران والوطن يقرأ في بيوتها , وسور الملك وضعوها في القلب تماما .
حبيبي وأخي ورفيق السلاح راشد .
أنظر ماذا فعلنا في الناس ... نحن من جيل جديد يا راشد , من جيل في أول الخطى والدرب , ولكننا وضعنا أنفسنا ..في صف من يفتدون الوطن , في صف وصفي وحابس وهزاع , صحيح أننا إختصرنا العمر مبكرا ...ولكننا ألهمنا شعبا كاملا كي يكون مقاتلا مثلنا ...وكي يدرك أن الفداء درب الحياة , وأن معركة البقاء تحتاج لشهداء وصرعى ...ونحن يا راشد العشق لدينا ديدن , نحن أصلا ...أول شيء شاهدناه في العمر , هو الصحراء والبنادق ودورات المظليين ..والزحف على الأكواع ..والرماية , وأعرف أن هناك شبابا من بلدنا وفي جيلنا بتابعون دراستهم الان في لندن وأهلهم من طبقة المسئولين الكبار..وتغريهم الأضواء , وأعرف أنهم حين يعودون سيجدون أماكنا كبيرة تحتضنهم ...لكنهم ليسوا مثلنا , هم وحدهم الشهداء من يتصدرون صفحات التاريخ ..هم وحدهم من يضغطون على الزناد ..ويكتبون السطر الأول في دفتر الوطن ..هم وحدهم ...من يعرفون تاريخ وصفي هم وحدهم يا راشد ..الشهداء , من يرفع لهم الوطن هامته ويؤدي لهم التحية ..ونحن مختلفون أنا وأنت هل تعرف في ماذا نختلف عن جيلنا؟ ...أننا اصبحنا عمالقة ليس بمحض الصدفة ..بل لأننا نؤمن بالوطن ...
يا راشد ...أنا مشتاق لطائرتي , مشتاق لرفاقي في السرب المقاتل لزوجتي , لأهلي وسيأتيك وقت وتشتاق , ولكننا هنا في عليين ...ننعم بالرضى وبالجنة , وما فعلناه هو درب قمنا برسمه لكل الشباب الذين في جيلنا ...
أخي وحبيبي ورفيقي في السلاح راشد .
في عليين سأقوم بتأدية التحية العسكرية لك , سأحتضنك على صدري ..فأنا هنا في لباسي العسكري , بين هضبات الجنة ...وسأطبع قبلة ندية على رأسك , وهنا يا راشد ستلتقي بأفواج من الشهداء ...من الذين طحنوا الفك بالفك , والذين كبروا على ثرى فلسطين يوم كان النزال قدرا محتوما , وارتفع صوت الرصاص في هزيع الفجر الأخير ...وسأعرفك على الشهداء , على منازلهم العالية , على رتبهم ...وسترى كم من نور في وجوههم ...
تعالي يا رفيقي في السلاح تعال , فمن هنا سنراقب بلدنا ..وسندرك في لحظة أننا أسسنا نهجا في الفداء , سيسير عليه الكل مدني كان أو عسكري ...وأننا أفتدينا البلد بدمنا , وأن زيتونها حر وملكها حر وشعبها حر ...وأن الغرام لا يليق إلا بالزنود السمر ...فأهلا بك يا راشد .