سقوط الأوبك

لا شك أن مرحلة انخفاض أسعار النفط الحالية تقع ضمن خانة "صعب التحمل" وتحتاج إلى الانتعاش بعض الشيء في العام أو العامين القادمين للإبقاء على بعض الحفارات تعمل.
لكن، لن يكون من الحكمة أن يتوقع المنتجون الأميركيون الكثير من المساعدة من منظمة الدول المصدرة للنفط "الأوبك"، وغيرها من الدول المنتجة الأخرى، لكبح الإنتاج بغية رفع الأسعار، وهو الأمر الذي كاد يحدث الأسبوع الماضي.
لقد سكب وزير النفط السعودي علي النعيمي، خلال حديثه في هيوستن يوم الثلاثاء، الماء البارد على فكرة تخفيض الإنتاج.
وأياً كانت الإستراتيجية التي ترغب الأوبك بإتباعها، لا تفر من حتمية مواجهة مشاكل عديد لاستعادة هيمنتها على التسعير العالمي للنفط.
وعلى الرغم من أن عديدا من الأميركيين ينظرون إلى الأوبك على أنها عملاق نفط دائم، إلا أن سجلها الفعلي كمنظمة مختلف بعض الشيء.
لقد بقي تأثير المنظمة العالمي بالكاد يتم استشعاره لفترة لا بأس بها، عندما تم تأسيسها في العام 1960.
ومنذ بدايات سبعينيات القرن، تمتع أعضاء الأوبك بشكل منفرد ببعض النجاحات التي نتجت عن الخصومات السعرية التي حصلت عليها من شركات النفط العملاقة، ولكن لم يحدث تنسيق لمستويات الإنتاج عبر العضوية الكاملة حتى فترة جيدة بعد "حظر النفط العربي" في تشرين الثاني (نوفمبر) 1973.
وخلال فترة الحظر، لم يعان المصدرون العرب من انخفاض الإيرادات المتوقع لتخفيضهم الإنتاج، لأن ارتفاع سعر البرميل الواحد عوض بشكل كبير انخفاض كميات البراميل المباعة.
وفي كانون الأول (ديسمبر) من العام 1973، صدمت الأوبك المسؤولين الأميركيين بتصويتها للاستفادة من الإمدادات القصيرة للقفز بالأسعار إلى مستويات لم يسمع بها من قبل.
وبعد أن تم رفع الحظر في آذار (مارس) من العام 1974، قيدت المنظمة الإنتاج للحيلولة دون انخفاض الأسعار.
وغالباً ما تغيب عن الذاكرة أن هذه الفترة من سيطرة الأوبك لم تدم أكثر من عقد.
وبعد الحظر، خفضت أميركا وأوروبا واليابان استهلاك النفط إلى حد كبير، مع اعتماد أميركا سياسات معايير كفاءة المسافة المقطوعة وحدود أخفض سرعة في القيادة، إلى جانب تسعير السوق، في حين فرضت الدول الصناعية الرئيسية الأخرى ضرائب ضخمة على البنزين.
ومن جهتها؛ رفضت الأوبك الاعتراف بهذه الظروف السوقية المتغيرة، وثابرت على تمسكها بأفكارها للوصل إلى الأسعار المرتفعة، زارعة بذور زوالها (كما اتضح بشكل مؤقت).
بحلول بدايات الثمانينات، انخفض صافي واردات الولايات المتحدة من النفط بمقدار النصف عن مستويات العام 1977، وتدهورت أسعار النفط أيضاً.
ولم يكن تخفيض السعودية المطرد للإنتاج، في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، قادراً على الحد من التحول إلى الأسعار المنخفضة.
وفي النهاية، رفعت السعودية إنتاجها في النصف الثاني من الثمانينيات لمعاقبة أعضاء الأوبك الذين لم يساعدوها على تجنب فوائد النفط وفي طرد المنافسين، الذين أوجد وقودهم البديل تهديدات طويلة الأجل لحصة السعودية من السوق.
وعلى الرغم من أن إستراتيجية السعودية أحبطت تطوير البدائل للنفط التقليدي، إلا أنها لم تحقق العودة إلى بيئة الأسعار المرتفعة أو إلى أوبك منضبطة يمكنها أن تضع وتفرض حصصاً إنتاجية. ومع تجاهل بعض الأعضاء أدوارهم، واصل عجز الأوبك وانخفاض الأسعار إلى تسعينيات القرن الماضي.
وفي آذار (مارس) العام 1999، تغلبت السعودية وإيران على مظالمهما للتعاون على تخفيض الإنتاج، وعكس الرئيس الفنزويلي هيوغو شافيز، موقف دولته كداعمة وطيدة لحصص الأوبك، ما مهد الطريق لمرحلة ارتفاع الأسعار في وقت لاحق من العام وأدى –في نهاية المطاف- إلى تمكين المنظمة.
ولكن الطلب الأقل من المتوقع، إلى جانب ارتفاع الإنتاج الأميركي، أنهى آخر أفضلية للأوبك.
ورغم صعوبة تحديد الأمر في عام تقهقر ثروات الأوبك، إلا أن الأمر بدا واضحاً في العام 2014، عندما شهد إنتاج النفط الأميركي أكبر مكاسبه على أساس سنوي.
وفي حال تمكنت الأوبك من التغلب على الصراعات الداخلية لخفض الإنتاج، فسوف تتنازل عن حصصها السوقية لآخرين، خاصة الأميركيين المستمرين في إجراء تحسينات وتطويرات على صعيد تكنولوجيا النفط.
وليست هذه بإستراتيجية ناجحة طبعاً، في ضوء عدم وجود طريقة لمعرفة كم على الإنتاج المنخفض أن ينخفض أكثر، وما سيؤول إليه الطلب العالمي على النفط في حال تكثف تضرر الغلاف الجوي بالوقود الأحفوري.
وإذا ما حافظت الأوبك على إنتاجها الحالي (مع تكثيف إيران إنتاجها في الوقت الراهن)، ستبقى الأسعار منخفضة لوقت طويل، وربما تتضرر بعض حكومات أعضاء الأوبك قبل أن ترمي منقبات النفط مناديل الاستسلام.
مضت سنوات والأوبك تقول أنها ستحاول إبقاء أسعار النفط العالمية ضمن المعقول –لا عالية جداً، ولا منخفضة جداً.
ولكنها بشكل عام، رفضت التصرف عندما ارتفعت الأسعار بشكل كبير.