لفهم التواصل الجماهيري .. نحتاج طاقة الأمل
سامح المحاريق - التاريخ يكرر نفسه، مقولة صائبة وخاطئة، ولنبدأ من وجه الخطأ، فالتاريخ لا يكرر من نفسه من جهة التطور الذي يشاهده الإنسان من حوله.
عمليا؛التاريخ بصورة أو بأخرى يتقدم ويمضي في مسيرته دون كثير من المبالاة بالضحايا الذين يفشلون في تفهم التطور ومواكبته، أو يكونون ببساطة ثمناً للتقدم التاريخي ذاته، التاريخ يشبه البحر في هذه الناحية، هو يبتلع الغرقى دون تدقيق في هوياتهم أو تفاصيل حياتهم، يطويهم في مياهه الباردة ويستكمل وجوده الممل وايقاعه المتقلب.
متقلب نعم ولكن بنظام يمكن الوقوف على مراحله، وكذلك التاريخ، متقلب نعم، ولكنه يبقى ضمن دوائره الاعتيادية، الحرب ثم السلام، وفترات طويلة من الانتظار ربما تكون مرعبة أكثر من الحرب ومنتجة أكثر من السلام.
أصبحت الملايين تعاني من نزعة تشاؤمية واضحة، ويستشعرون بأن الأمور ستمضي للأسوأ دائماً، مع أن الأسوأ نعيشه بصورة أو بأخرى، ونتحمل نصيبنا منه، والتفهم لدورات التاريخ يجعل التفاؤل مبرراً، فمع الوصول إلى الأسوأ يكون المنحنى التاريخي مهيئاً لصعود جديد، ليس بالضرورة أن يكون صعوداً قوياً أو مؤثراً، ولكنه في جميع الأحوال يحرك الأمل في الناس ويجعلهم يستشعرون تحسناً ملموساً حتى لو لم يكن حقيقياً أو جذرياً.
ان عمليات إدارة الأمل مهمة للغاية، وهي تختلف عن التضليل الذي يصور الوضع على غير حقيقته ويخفي الجانب الأكثر أهمية وخطورة من أي معلومة.
مناسبة الحديث هي ملامح الطاقم الوزاري بالأمس حيث تبدت في مؤتمره الصحفي الذي أعقب مشاركة الأردن في مؤتمر لندن أقصى درجات التجهم والكآبة، ومع أن الفريق كان يسعى لطمأنة المتابعين، إلا أن الجدية الزائدة التي حاول الفريق، عن قصد أو غير قصد، كانت تخيم على أجواء المؤتمر، وعلى ما تابعوه أو شاهدوه في نشرات الأخبار، أو حتى اطلعوا على صوره في الصحافة والمواقع الإلكترونية.
نعم لم يحصل الأردنيون على ما كانوا يتوقعونه من المؤتمر، ولكنهم في الوقت نفسه حصلوا على بعض المكتسبات، والجمهور على جانب كبير من الحساسية في هذه الفترة، هو لا يريد تجميلاً زائداً ويحتاج إلى جرعات عالية من الشفافية، ولكن في الوقت نفسه فإنه لا يتحمل الاحباط غير المبرر خاصة أن قدرة الأردن على التأثير في محيطه محدودة.
الفن بشكل عام وظيفته أن يصنع الأمل وأن يصون الروح المعنوية للمجتمع، وفي ظل تغيب استراتيجية واضحة للإنتاج الفني عدا بالطبع عن قدرته للوصول للجمهور، وفوق ذلك إمكانية منافسته لتدفق البرامج والمنتجات الفنية في الفضائيات، فإن الوضع يصبح برسم الاحباط العام الذي يمكن أن يبدد أي تحسن اقتصادي متوقع، خاصة أن أسعار النفط يمكن أن تصنع فارقاً لفترة من الزمن، علماً بأن الأسعار المنخفضة ليست في مصلحة الأردن على المدى الطويل، ولكن لماذا لا يستطيع المواطن أن يخرج ببعض المكتسبات في هذه المرحلة، وإن لم تكن أحياناً مادية فالفارق المعنوي مهم للغاية.
بالأمل كان أوباما يصل إلى البيت الأبيض، نعم نستطيع، كان شعاره، وبغض النظر عن أدائه بالنسبة للعالم العربي، فإن الأمريكيين حصلوا على جرعة جديدة من الأمل ويبدو أن تحرك السوق لديهم كان في جانب منه مدفوعاً بالتوقعات الايجابية.
وليس بالضرورة حقائق اقتصادية قوية، والرئيس الأمريكي لديه الخبرة في التواصل الاجتماعي، يعرف متى يتجهم ومتى يتصرف بمرح وايجابية، وراءه فريق من المختصين، بينما القصة في الأردن تعتمد على المزاجية والارتجال دون أن يدرك الوزير أنه يقدم خدمة للناس وأن عليه أن يؤديها بصورة مناسبة شكلاً ومضموناً، وهذه الفوارق ضرورية أحياناً وحاسمة في أحيان أخرى، ويمكن أن يكون ونستون تشرشل أستاذاً لفن التفاؤل والأمل في السياسة وبلاده في مواجهة النازية المفرطة في قوتها وعنفها.