هدنة سورية: خطوة أولى في مسار التسوية السياسية
يرى مراقبون في إعلان الرئيس السوري بشار الأسد، وهيئة المعارضة السورية العليا، القبول بهدنة عسكرية، تطورا مهما على صعيد الجهود الدولية الرامية إلى "وقف إطلاق النار"، وخطوة أولى في مسار التسوية السياسية.
على أن المراقبين يعتبرون أن هذين الموقفين يحاولان استغلال وقف إطلاق النار- كل لمصلحته- قبيل انطلاق المفاوضات السياسية.
ولفتوا إلى أن تصريحات الرئيس السوري لصحيفة "إلبايس" الإسبانية، جاءت غداة تصريح أدلى به مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، لصحيفة "كوميرسانت" الروسية قبل ثلاثة ايام، حين قال معلقا على تصريحات سابقة للأسد، بأنه سيواصل القتال إلى حين هزيمة كل المعارضة المسلحة، "سمعت تصريحات الرئيس الأسد في التلفزيون.. بالطبع، هي لا تتماشى مع الجهود الدبلوماسية، التي تبذلها روسيا.. المناقشات تدور حول وقف لإطلاق النار ووقف للأعمال القتالية في المستقبل المنظور.. العمل جار على ذلك."
وعلى الرغم من أن تصريح تشوركين كان شخصيا بحسب قوله، لكن المراقبين يعتبرون أن "شخصا بمستوى تشوركين السياسي من جهة، وفي دولة لم يعهد عنها إطلاق تصريحات ارتجالية من جهة أخرى، يبدو كلام تشوركين مؤشرا على رفض روسي لتصريحات الأسد، لأنها تتعارض مع الجهود العسكرية والسياسية الكبيرة، التي بذلتها موسكو في سورية".
ولذا، يعتبر المراقبون أن "الأسد عدل من خطابه بالقبول بالهدنة العسكرية، شرط أن لا تُستغل من الأطراف الأخرى، وتحديدا تركيا. بمعنى أن وقف إطلاق النار يجب أن يحافظ على الوضع القائم، الذي هو أصلا لمصلحة دمشق".
ويرى المراقبون، أن شروط المعارضة، أفرغت مضمون الموافقة من محتواها؛ ذلك أن ربط الهدنة العسكرية بوقف القصف الروسي في سورية، والتوقف عن قصف جبهة النصرة من قبل الروس والتحالف الدولي، لا يبدو أمرا واردا بالنسبة إلى المجتمع الدولي لأسباب عدة أهمها:
- إن "جبهة النصرة" موضوعة في قائمة المنظمات الإرهابية؛ وهو ما اتفقت عليه مجموعة العمل الدولية الخاصة بسورية خلال اجتماعها في فيينا منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وصدر قرار دولي بذلك.
ومع أن طلب المعارضة هذا جاء لأسباب تتعلق بالتداخل الجغرافي لمناطق سيطرة فصائل المعارضة والجبهة، فإن واشنطن وموسكو مصرتان على ضرب الجبهة، ليس فقط لارتباطها بالقاعدة فحسب، بل ربما لدق إسفين بينها وبين الفصائل الإسلامية الأخرى، ولا سيما حركة "أحرار الشام".
ـ ان العملية العسكرية الروسية يُنظر إليها في موسكو وفي دول غربية على أنها متساوقة مع القانون الدولي، كونها تجسيدا لاتفاق بين دولتين، وبالتالي لا يمكن إدراج العملية العسكرية الروسية ضمن عملية وقف إطلاق النار.
وبحسب التفاهمات، تم الاتفاق على وقف العمليات العدائية، وليس وقف إطلاق النار في إشارة إلى اعتبار العملية العسكرية الروسية خارج إطار وقف النار. وذلك ما صرح به وزير الخارجية سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأميركي جون كيري، والمبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا في ختام اجتماع ميونخ في 12 الشهر الحالي. وهذا ما أعربت عنه موسكو مؤخرا، حين أعلن الكرملين على لسان دميتري بسكوف السكرتير الصحفي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن "روسيا متمسكة بسياستها الثابتة، التي تقوم على تقديم المساعدة للقوات المسلحة السورية في عملياتها الهجومية ضد الإرهابيين، وضد المجموعات الإرهابية."
ويميل المراقبون الى أن المعارضة تدرك أن مطالبها مستحيلة، لذا فان رفع سقف الشروط هو تكتيك سياسي - الغاية منه دفع المجتمع الدولي إلى الضغط على روسيا
وقالوا إنه بالنسبة لـ "جبهة النصرة"، فمطلب المعارضة يبدو غير قابل للتنفيذ من جهة روسيا والولايات المتحدة على السواء، وهو ما أشار إليه مصدر قريب من المباحثات، حول موقف المعارضة من الهدنة، حين قال إن مطلب المعارضة وقف القصف على النصرة يعَدُّ مشكلة كبيرة.
وفي عمان، اعتبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري، امس الأحد، أن الهدنة في سورية يمكن أن تدخل حيز التنفيذ قريبا.
وقال كيري عبر مؤتمر صحفي عقده مع وزير الخارجية الأردني ناصر جودة: "نحن أقرب إلى وقف إطلاق النار في سورية من أي وقت مضى".
وأضاف كيري: "تحدثت مع (وزير الخارجية الروسي) لافروف وأعتقد أننا توصلنا لاتفاق مشروط من حيث المبدأ على وقف القتال في سورية". وأكد كيري أن الرئيسين الروسي والأميركي سيضعان اللمسات الأخيرة على اتفاق الهدنة في سورية.
وكان جون كيري واصل بحث آلية وشروط الهدنة في سورية مع سيرغي لافروف، امس الأحد، حسب الخارجية الروسية.
تجدر الإشارة إلى أنه جرى الاتفاق السبت في جنيف بين روسيا والولايات المتحدة على مشروع وثيقة لوقف العنف في سورية تستثني "جبهة النصرة" و"داعش".وحسب تسريبات من جنيف يجب أن يبدأ سريان مفعول الاتفاق خلال أسبوع بعد إقراره، وكان من الواضح أن "جبهة النصرة" شكلت حجر عثرة أمام الاتفاق، حيث طالبت المعارضة السورية بوقف ضربها، ورغم أن الحجة هي تداخلها جغرافيا مع الفصائل الأخرى للمعارضة، وخاصة "الإسلامية" المتحالفة معها، إلا أن هذا لا يخرجها من خانة الإرهاب بالنسبة للروس والأمريكان على حد سواء.
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري أكد أن مناقشات مكثفة "جادة وبناءة" جرت بين دبلوماسيين أميركيين وروس بشأن وقف الأعمال القتالية في سورية.
ويأتي تصريح كيري "نحن أقرب إلى وقف إطلاق النار في سورية من أي وقت مضى" مخالفا تماما لما أعلنه مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا بأن فرص السلام تبدو أضعف من أي وقت مضى.