في خمسينية الشتاء ..بالتفاصيل

شباط ما عليه ارباط .. و آذار أبو الزلازل والأمطار

وليد سليمان ــفي جولة عبر الذاكرة الشعبية العربية , وما تناقلته الألسن والتجارب في تاريخنا عن التعايش مع فصل الشتاء , صاحب الخير بالامطار والثلوج والبحث عن الدفء والسرور, بتلك النعمة الربانية (الماء )التي من خلالها يتم الازدهار والخير لجميع المخلوقات على هذه البسيطة , نسترجع معاً ما قيل قديماً عن شهور فصل الشتاء – وبالذات عن خمسينية الشتاء – التي نعيشها الآن هذه الأيام .. وعن شهري شباط وآذار , آخر شهور الشتاء كما يُقال !.
فمن الناحية الفلكية فإن ظاهرة السعود تعود إلى ما يعرف بـ خمسينية الشتاء ومدتها 50 يوما تقسم على 4 فترات زمنية متساوية (الذابح، البالع، السعود، الخبايا) فيكون كل سعد مدته 12.5 يوم وهي كالتالي:

«سعد الذابح»
وهي خلال فترة الشتاء تبدأ عادة في 10 شباط وتنتهي في 22شباط أي تبلغ 13 يوما. ويقال نصفها محرق ونصفها مورق.
سعد بلع:
وهي فترة تبدأ عادة في النصف الثاني من يوم 23 شباط وتنتهي في 7 آذار، ويقال أنه مهما أمطرت الدنيا في هذه الفترة فإن الأرض تبتلع المطر بسرعة، وطول هذه الفترة هو أيضا 13 يوما.

«سعد السعود»
بسعد السعود ينضر العود وتلين الجلود ويكره الناس في الشمس القعود, وتبدأ هذه الفترة في 8 آذار وتنتهي ظهر يوم 20 آذار، أي 13 يوما.
سعد الخبايا :
يبدأ يوم 21 آذار وينتهي في2 نيسان، أي 13 يوما، وبذلك تنتهي خمسينية الشتاء، ويبدأ فصل الربيع. سمي بذلك لأن بطلوعه تخرج حشرات الأرض وهوامها من جحورها.
سعد يسافر في البرد
وتقول الحكاية الشعبية عن قصة رجل يُسمى بِ (سعد) فقد كان في طريقه للسفر.. فنصحه أبوه أن يتزود بفراء وبقليل من الحطب اتقاء لبرد محتمل، فلم يسمع نصيحة أبيه ظانا أن الطقس لن يتغير كثيرا أثناء رحلته، وهو في ذلك الوقت كان دافئا.
ولكن ما أن بلغ منتصف الطريق إلى حيث يقصد حتى اكفهرت السماء وتلبدت بالغيوم وهبت ريح باردة وهطل المطر والثلج بغزارة، ولم يكن أمامه سوى ذبح ناقته وهو كل ما كان يملك !! حتى يحتمي بأحشائها من البرد القارص. لذلك ذبح الناقة (سعد الذابح).
وبعد أن احتمى في أحشائها من البرد، دب الجوع في سعد و لم يجد أمامه سوى أحشاء الناقة ولحمها للأكل وهكذا كان(سعد البلع) .
وبعد أن انتهت العاصفة و ظهرت الشمس خرج سعد فرحا من مخبئه وفرحا بكتابة الحياة له مجددا بسبب ذكائه (سعد السعود) .
وحرصا منه على متابعة طريقه دون مشاكل قام بصنع معطف له من وبر الناقة و بحفظ زاد له من اللحم المتبقي من الجمل بواسطة الثلوج أو طرق قديمة تقليدية لذلك وهكذا كان(سعد الخبايا).

الشتاء والأمثال الشعبية
والمثل الشعبي يقول: (إذا غيمت باكر، احمل أغراضك وسافر وإذا غيمت عشية لاقيلك مغارة دفية) .
كما كانت أمثالهم في بعض الأحيان تنسجم مع التنبؤ والرصد الجوي كقولهم (إذا القمر عالطارة الليلة مطارة).
وكانت هذه الأمثال بحق الذخيرة التراثية التي يفخر بها أهل الشام، لأنها نتيجة التجربة والخبرة العملية بعد المراقبة والتأمل سنين طويلة. ويأتي شباط كما يقولون (على كلامه ما في رباط) أو (هادا شباط بيشبط وبيلبط) بل اعتبروه من أشهر الصيف (روائح الصيف منه وفيه) وتمادوا أكثر بأن جعلوه شهراً صيفياً (بشباط ببيض الدجاج على البلاط) وفي شهر آذار الذي يعتمدون على أمطاره، بل يرجون فيه الخير ويتوسمون بقدومه العطاء للإنسان والأرض، يقولون تارة: (إن أقبلت آذار رواها وإن أدبرت آذار وراها) و(خبي فحماتك الكبار لعمك آذار) وأيضاً في وصفه (آذار أبو الزلازل والأمطار) ويصفونه كثيراً بالربيع الدافئ: (من أراد رؤية الجنة وأزهارها، فلينظر إلى آذارها).
وقالت العرب كذلك :
- سعد الذابح البرد فيه ذابح .
- سعد ذابح ما بيخلي ولا كلب نابح .
- في شباط بيضبو العير في الرباط .
- شباط ما في عليه رباط , أي أن الجو في شباط يكون متقلبا بين الشتاء والصيف .
- مثل شباط ما في على كلامه رباط .
- شباط مهما شبط ولبط ريحة الصيف فيه .
- في شباط بيعرق الأباط , كناية عن الأيام الدافئة في شباط
- بسعد بلع السّما بتمطّر والأرض بتبلع .
- بسعد السعود بتمشي الماويّة في العود .
- بسعد السعود بتدور الميّ في العود وبيدفا كل مبرود .
- راح شباط هالخبّاط ما أخد مني عنزة ولا رباط .
- آذار يقول : شباط يا إبن عمي ثلاثة منّك وأربعة منّي بنخلّي دولاب العجوز يغنّي .
- شباط يقول : آذار يا إبن عمي ، أربعة منّك وثلاثة منّي ، بنخلّي العجوز تحرق دولابها والمغزلة .
- شباط يقول : آذار يا إبن عمي ، أربعة منّك وثلاثة منّي ، بنخلّي الصبيّة تحرق قبقابها والعجوز تشعل دولابها وتنضّب ورا بابها .
- ما إلك طرش يقوم و لا مركب يعوم إلا بعد مستقرضات الروم .
- مثل شباط بيعير وبيستعير وبيضل ناقص .
- في آذار بيتساوى الليل والنهار.
- الشتا بعود والصيف بعمود .
- البرد بيقص المسمار .
- كل غيمة وخيرها معاها .
- إن أرعدت أبعدت وان أبرقت اقربت .
- الغطيطة فراش الشتا .
- إن أثلجت أفرجت .
- لو بدها تشتي لغيمت .
- يا فلاح ازرع الشجر قبل ما يفوتك المطر .
- النار فاكهة الشتا واللي ما يصدق ينصلي .

«مطرة نيسان»
ومن المتعارف أن البرد في الخمسينية يكون أخف وطأة من الأربعينية، ولو أن بعض الأمثال يغلب عليه الصدق أحياناً عندما يقولون: (هواء الخمسان بيشق القمصان) , كما يقولون عن شهر نيسان مع أنه يأتي بعد الخمسينية بأمطار غزيرة يشرب منها الإنسان وتروى بها الأرض (مطرة نيسان بتحيي قلب الإنسان) و(مطرة نيسان بتحيي السكة والفدان).
هذا و تُقسم الخمسينية إلى أربعة سعود مدة الواحد منها اثنا عشر يوماً ونصف، تسقط خلالها ثلاث جمرات مدة كل منها سبعة أيام، وقيل في التسمية الكثير ورويت عن ذلك القصص والأقاويل.